وجهك، وتصرف نظرك في جهة السماء، ترغب نزول الوحي آمرًا لك بالتوجه في صلاتك إلى الكعبة، فقد أجبناك إلى ما ترغب فيه، وإنما كان يرغب ذلك لأن الكعبة قبلة إبراهيم أبيه، والتوجه إليها في الصلاة أدعى للعرب إلى الإيمان، لأنها مفخرتهم ومزارهم ومطافهم، ولمخالفة اليهود، وأيضًا فإنه أحب أن يحصل هذا الشرف للمسجد الذي في بلدته ومنشئه، لا في مسجد آخر، ليعلم أمته كيف تكون محبة الوطن، وأن كل فرد منهم ينبغي أن يفكر فيما يعود على محل تربيته ومنشئه بالخير والعمران، ويرغب في ذلك، كما يشير إلى هذا الآيات الحاثة على حسن الجوار، والأحاديث المرغبة فيه، وفي حسن المعاملة للأصحاب والخلان، وغالبًا يكونون من موضع المنشأ.
وفي قوله تعالى:{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} إذن في ذلك، ودرجه في جملة محاسن هذه الشريعة الغراء، فمن يرغب في ضرر وطنه، فهو من المخدوعين الذين لم يعلموا أسرار ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله تعالى:{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} معناه: فلنعطينك ولنمكننك من استقبال {قِبْلَةً تَرْضَاهَا}، تحبها وتميل إليها لأغراضك الصحيحة التي أضمرتها ووافقت مشيئة الله تعالى وحكمته، فلذلك قال تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي: الكعبة، قال الماوردي: كل موضع ذكر فيه المسجد الحرام، فالمراد الحرم، إلا هذا فالمراد به الكعبة. انتهى.
و{شَطْرَ الْمَسْجِدِ}، منصوب على الظرفية، أي: اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد، أي: في جهته وسمته، لأن استقبال عين القبلة فيه حرج عظيم على البعيد، وذكر {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} دون الكعبة، دليل على أن الواجب مراعاة الجهة دون العين؛ قال أبو العالية:{شَطْرَ الْمَسْجِدِ} تلقاءه؛ وبه قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والبراء، كما رواه عنهم ابن جرير وأبو داود في ناسخه، والبيهقي وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم وغيرهم، وقال ابن جرير: الشطر النحو والقصد والتلقاء، كما قال الهذلي: