للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العادة، فيما تنزع إليه الأنفس، {وَ} استعينوا بـ {الصَّلَاةِ} التي هي تواضع للخالق، واشتغال بذكر الله تعالى، فهى الموصلة إلى المقام الأعلى، فإن قيل: كيف أمر بني إسرائيل بالصلاة وهم ينكرونها، ومن أنكر شيئًا لا يكاد يقال له: استعن به، قلنا: الجواب من وجهين:

أحدهما: أن المعنى، كان الله يقول لهم: اتركوا الجحود والإباء، عن الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، {وَاسْتَعِينُوا} على ذلك الترك {بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}، فإنكم تفلحون حينئذ، فيكون الأمر بالاستعانة أمرًا بالإيمان ضمنًا.

والثاني: أنا لا نسلم إنكارهم لأصل الصلاة، وإنما حصل الاختلاف في الكيفية، فإن صلاة اليهود واقعة على كيفية ثانية، وإذا كان متعلق الأمر هو الماهية التي هي التواضع للخالق، والاشتغال بذكره الذي هو القدر المشترك، زال الإشكال.

ولهذا يقال: لما أمرهم تعالى بالإيمان، وبترك الإضلال، وبالتزام الشرائع وهي الصلاة والزكاة، وكان ذلك شاقًا عليهم لما فيه من ترك الرياسات، والإعراض عن المال والجاه، لا جرم عالج هذا المرض، فقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا} أي: الصلاة، {لَكَبِيرَةٌ} لشاقة ثقيلة {إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}، لأنهم يتوقعون ما ادخره الله تعالى للصابرين على متاعبها فتهون عليهم، كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} أي: يتوقعون لقاء ثوابه، ونيل ما عنده، ولذلك فسر {يَظُنُّونَ}: بـ: "يتيقنون".

وأما من لم يوقن بالجزاء، ولم يرج الثواب، كانت عليه مشقة خالصة، فثقلت عليه كالمنافقين والمرائين بأعمالهم، ومثله من وعد على بعض الأعمال والصنائع أجرة زائدة على مقدار عمله، فتراه يزاول العمل برغبة ونشاط وانشراح صدر، ومضاحكة لحاضريه، كأنه يستلذ مزاولته، بخلاف حال عامل يتسخره بعض الظلمة.

وخصت الصلاة بالكبر دون الصبر، لأن الصبر صغار للنفس، والصلاة وجهة للحق، والله هو العلي الكبير، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ} فعبر بالظن عن

<<  <   >  >>