للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو أن العقلاء رجعوا إلى كتب الله المنزلة قبل القرآن، وجردوا وحيها الإلهي مما افتراه عليه أكثر الأمم من الخرافات وخلطوه به من أفكارهم مما لا ينطبق عليه، لوصلوا إلى الدين الفطري، النقي من الشوائب ولمّا كان الدين الإِسلامي الخالي من الخرافات، ومن تقولات الملحدين والمخدوعين بهذه المثابة صَحَّ أن يكون هو الناسخ لجميع الأديان قبله، وأنه لا ناسخ له على ممر الزمان، وأنه لا يأتي زمان إلا ويغرس الله تعالى فيه غرسًا ينفون عنه تقول الضالين، وإلحاد الملحدين، ولن تزال طائفة من أهله قائمة على الحق لا يضرها من خذلها، ولا من افترى عليها، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.

ولما بين تعالى الطريق الواضح في الدين، وهو أن يعترف الإنسان بنبوة من قامت الدلالة على نبوته، وأن يحترز في ذلك عن المناقضة، رغّبهم بمثل هذا الإيمان، فقال:

{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٣٧].

هذا من باب التبكيت لأن دين الحق واحد لا مثل له، وهو دين الإسلام {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥]، فلا يوجد إذن دين آخر يماثل دين الإِسلام في كونه حقًا، حتى إن آمنوا بذلك الدين المماثل له كانوا مهتدين، فقيل: {فَإِنْ آمَنُوا} فأتى بـ (إن) التي هي للشك على سبيل الفرض والتقدير، أي: {فَإِنْ} حصلوا دينًا آخر مثل دينكم، مساويًا له في الصحة والسداد، {فَقَدِ اهْتَدَوْا}، وفيه أن دينهم الذي هم عليه وكل دين سواه مغاير لدين الإِسلام، غير مماثل له، لأنه حق وهدى، وما سواه باطل وضلال، {وَإِنْ تَوَلَّوْا} عما يقولون لهم، ولم ينصفوا فما {هُمْ} إلا {فِي شِقَاقٍ} أي: في مناوأة ومعاندة لا غير، وليسوا من طلب الحق في شيء، {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}، ضمان من الله لإظهار رسوله عليهم، وقد أنجز تعالى له الوعد في المواطن كلها، وأتى بالسين إشعارًا بأن ذلك كائن لا محالة، وإن تأخر إلى حين.

<<  <   >  >>