للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.

أي: أتريدون أن تردوا أمر خالقكم في النسخ، أم تريدون أن تتخذوا من دونه إلهًا لا يقدر على شيء، بأن تسألوا رسولكم أن يجعل لكم إلهًا غيره، كما سُئل موسى ذلك، فقال له قومه: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: ١٥٣] و {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: ١٣٨]؟ !

وعلى كل، فقد أدب الله المؤمنين وزجرهم عن أن يتعنتوا على نبيهم في زمنه، أو على شرعه من بعده، كما تعنت اليهود على نبيهم، فقد روي أن بعض المشركين حذا حذو اليهود في التعنت، فقال رهط من قريش: يا محمد اجعل لنا الصفا ذهبًا، ووسع لنا أرض مكة، وفجر الأنهار خلالها تفجيرًا، ونؤمن لك. وكان بعضهم يقول: ائتنا بكتاب من السماء جملة، كما أتى موسى بالتوراة. وكان الآخر يقول: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلًا. وسأله قوم أن يجعل لهم "ذات أنواط" كما كانت للمشركين، وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها الثمرة وغيرها من المأكولات، وأسلحتهم.

{أم} هنا منقطعة، وتتقدر المنقطعة بـ "بل والهمزة"، فالمعنى: بل أتريدون، ] (١) ولفظة: "بل"، تفيد الإضراب عما قبله، ومعنى الإضراب هنا هو الانتقال من جملة إلى جملة، لا على سبيل إبطال الأولى.

واختلف في المخاطب في هذه الآية، فقال الأصم والجبائي وأبو مسلم: هو للمؤمنين، وهو الذي قدمناه كما رأيت، وعليه فالضمير في {رسولكم} جاء على ما في نفس الأمر، وعلى ما أقروا به من رسالته. وقال فخر الدين الرازي في تفسيره: المراد بها، اليهود، وهذا القول أصح، لأن هذه السورة من أول قوله: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} حكاية عنهم، ومحاجة معهم، ولأن الآية مدنية، ولأنه


(١) زيادة لازمة من "البحر".

<<  <   >  >>