للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا التأويل، لأن الأنبياء معصومون عن الصغائر والكبائر، ولما جوز المعتزلة وقوع الصغائر من الأنبياء، قال الزمخشري مشيًا على قاعدتهم: وتب علينا ما فرط منا من الصغائر، واستيفاء هذا البحث محله كتب الكلام، فلا نطيل به ههنا.

ولما دعى ربه بالأمن لمكة، وبالرزق لأهلها، وبأن يجعل من ذريته أمة مسلمة، ختم الدعاء لهم بما فيه سعادتهم دنيا وآخرة فقال: {ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم} فشمل دعاؤه لهم الأمن والخصب والهداية، فقوله: {ربنا وابعث فيهم}، أي: في الأمة المسلمة التي من ذريتي وذرية ابني إسماعيل، {رسولًا منهم} ليكون أرفق بهم، وأشفق عليهم، ويكونوا هم أجدر باتباعه، والترامي في نصره، وذلك الرسول هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لم يبعث من ذريتهما بالكتاب غيره، فهو دعوة إبراهيم أبي العرب، وأكرم ذريته، ففي ذلك أعظم ذم لهم بعداوته، مع كونه مرسلًا لتطهيرهم بالكتاب الذي هو الهدى، وإليه الإشارة بقوله: {يتلو عليهم آياتك} ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى" (١) ولمّا طلب بعثة رسول منهم، ذكر لذلك الرسول صفات فقال: {يتلو} أي: يقرأ عليهم آياتك، ويبلغهم ما يوحى إليه من دلائل وحدانيتك، وصدق أنبيائك {ويعلمهم الكتاب}، أي يفهمهم، ويلقي إليهم معانيه، {و} يعلمهم {الحكمة}، أي: الشريعة وبيان الأحكام، وكل أمر يشرعه لهم، فيحفظهم في سبيل معاشهم ومعادهم، من الزيغ المؤدي إلى الضلال الموجب للهلاك، وقوله {ويزكيهم} أي يطهر قلوبهم بما أوتيه من دقائق الحكمة، فيرتقي بصفائها ولطفها من ذروة الدين إلى محل يؤمن عليها فيه أن ترتد على أدبارها، وتحرف كتابها كما فعل من تقدمها، والتزكية: إكساب الزكاة، وهي نماء النفس بما هو لها بمنزلة الغذاء للجسم، ثم علل بقوله: {إنك أنت العزيز} أي: الذي يغلب كل شيء ولا يغالبه شيء، {الحكيم} الذي يتقن ما أراد، فلا يتأتى نقضه، ولا متصف بشيء من ذلك غيرك، وفي ذلك إظهار عظيم لشرف العلم، وطهارة الأخلاق، وأن ذلك لا


(١) هو في "السلسلة الصحيحة" (١٥٤٥).

<<  <   >  >>