للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من المبني للمفعول، وإنما استغنى عن ذكر من يحبه، لأنه غير ملبس، وهذا مبني على جواز بناء المصدر للمفعول، ويجوز أن يراد به هنا المبني للفاعل، وفاعله ضمير المتخذين، والمعنى: يسوون بين الله وبين الأنداد في محبتهم، على كمال قدرة الله، ولطيف صنعه، وذلة الأنداد وقلتها، وهذا بناء على أنهم كانوا يقرون بالله، ويتقربون إليه، فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين.

ويرجح هذا قوله تعالى بعد: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} فأخبر عن المؤمنين بأنهم لا يعدلون عن حب الله إلى غيره، بخلاف المشركين، فإنهم يعدلون عن أندادهم إلى الله عند الشدائد، فيفزعون إليه، ويخضعون له، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه، فيقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ويعبدون الصنم زمانًا، ثم يرفضونه إلى غيره، وحب العبد لله: تعظيمه والتمسك بطاعته، وحب الله العبد: إرادة الثناء عليه وإثابته؛ وأصل الحب في اللغة: اللزوم، لأن المحب يلزم حبيبه ما أمكن.

وقال جمهور المتكلمين: المحبة نوع من أنواع الإرادة، لا تعلق لها إلا بالجائزات، فيستحيل تعلق المحبة بذات الله وصفاته، فإذا قلنا: يحب الله، فمعناه يحب طاعة الله وخدمته، وثوابه وإحسانه.

ولما عجب سبحانه من حال من يتخذ من دون الله أندادًا، حذر من سوء منقلبهم ومآلهم، فقال: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي: ولو يعلم هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم، أن القدرة كلها لله، على كل شيء من العقاب والثواب، دون أندادهم، ويعلمون شدة عقابه للظالمين، إذا عاينوا العذاب يوم القيامة، لكان منهم من لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة، ووقوع العلم بظلمهم وضلالهم؛ فجواب {لَو} محذوف.

وقرأ نافع وحده، "ولو ترى" بالتاء المثناة من فوق، فيكون الخطاب للرسول، أو كل مخاطب، وتقدير جواب {لَو}: لرأيت أمرًا عظيمًا. ورجح ابن جرير هذه القراءة، فقال: وإن كان على هذه القراءة يكون مخرج الخطاب للرسول معنيًا به غيره، لأنه كان لا شك عالمًا بـ {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}، لكن القوم إذا رأوا

<<  <   >  >>