للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصفنا أمرهم من أهل الكتاب سوالف نعمه على آبائهم، وأياديه عند أسلافهم، عند إنابتهم إليه، وإقبالهم على طاعته مستعطفهم بذلك إلى الرشاد، ومستعتِبهم به إلى النجاة، وحذرهم بالإصراء والتمادي في البغي، والضلال، حلول العقاب بهم نظير ما أحل بعدوه إبليس، إذ تمادى في البغي والخسار. وقد أشار إلى هذا إشارة خفيفة ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، فيما رواه عنه ابن جرير، حيث قال: {سُبْحَانَكَ}، تنزيهًا لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره، تبنا إليك، {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}، تبريًا منهم من علم الغيب {إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}، كما علمت آدم، فكأنهم قالوا:

إنا نبرأ من أن نعلم شيئًا غير ما علمتنا {إِنَّكَ أَنْتَ} يا رب، {الْعَلِيمُ} من غير تعليم، بجميع ما كان وما هو كائن، وعلام الغيوب دون جميع خلقك.

وذلك أنهم نفوا عن أنفسهم بقولهم {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}، أن يكون لهم علم، إلا بما علمهم ربهم، وأثبتوا ما نفوا عن أنفسهم من ذلك لربهم بقولهم: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ}، يعنون بذلك العالم من غير تعليم، إذ كان من سواك لا يعلم شيئًا إلا بتعليم غيره إياه.

قال ابن عباس: {الْعَلِيمُ} الذي قد كمل في علمه، و {الْحَكِيمُ} الذي قد كمل في حكمه، انتهى.

وكمال العلم أن يحيط علمًا بكل شيء ظاهره وباطنه، دقيقه وجليله، أوله وآخره، عاقبته وفاتحته، وهذا من حيث الوضوح والكشف على أتم ما يمكن فيه، بحيث لا تتصور مشاهدة وكشف أظهر منه، ثم لا يكون مستفادًا من المعلومات، بل تكون المعلومات مستفادة منه. ولا يليق هذا الوصف إلا بالله تعالى، فإن علم الخلق يفارق علم الله تعالى في الخواص الثلاثة:

أحدها: في المعلومات في كثرتها، فإن معلومات العبد وان اتسعت فهي محصورة في قلة، فأنى يناسب ما لا نهاية له.

الثاني: أن كشفه وإن اتضح، فلا يبلغ الغاية التي لا تكمن وراءها غاية،

<<  <   >  >>