للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر (١)، وكيف يكون من ورثة الرسول، من يجهد ويكدح في رد ما جاء به إلى قول مقلده ومتبوعه، ويضيع ساعات عمره في التعصب والهوى.

ولما كان أولئك المقلدة المذكورين في هذه الآية، بالوصف الذي ذكره تعالى عنهم- من ترك النظر والتدبر والإخلاد إلى التقليد بقولهم: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} ضرب لهم مثلًا تنبيهًا للسامعين لهم، أنهم إنما وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب ترك الإصغاء، أو قلة الاهتمام بالدين، فصيرهم من هذا الوجه بمنزلة الأنعام، فقال:

{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)}.

وذلك لأن مثل هذا المثل يزيد السامع معرفة بأحوال الكفار، ويحقر إلى الكافر نفسه إذا سمع ذلك، فيكون كسرًا لقلبه، وتضييقًا لصدره، حيث صيره كالبهيمة، فيكون في ذلك نهاية الزجر والردع لمن يسمعه، عن أن يسلك مثل طريقه في التقليد.

فقوله: {وَمَثَلُ} فيه مضاف محذوف، تقديره: {وَمَثَلُ} داعي {الَّذِينَ كَفَرُوا} إلى الإيمان، في أنهم لا يسمعون من الدعاء إلا جرس النغمة، ودوي الصوت، من غير إلقاء أذهان ولا استبصار {كَمَثَلِ} الناعق بالبهائم التي لا تسمع {إِلَّا دُعَاءً} الناعق ونداءه، الذي هو تصويت بها وزجر لها، ولا تفقه شيئًا آخر، ولا تعي، كما يفهم العقلاء ويعون.

قال في "الكشاف": وقيل معناه: ومثلهم في دعائهم الأصنام، {كَمَثَلِ} الناعق {بِمَا لَا يَسْمَعُ}.

إلا أن قوله: {إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} لا يساعد عليه، لأن الأصنام لا تسمع شيئًا. انتهى.


(١) هو اقتباس من حديث في "صحيح سنن ابن ماجه - باخصار السند" (١٨٢).

<<  <   >  >>