وإنما تنازعوا في جواز التقليد للقادر على الاستدلال، وإن كان عاجزًا عن إظهار الحق الذي يعلمه، فهذا يكون كمن عرف أن دين الاسلام حق، وهو بين النصارى، فإذا فعل ما يقدر عليه من الحق، فلا يؤاخذ بما عجز عنه، وهؤلاء كالنجاشي وغيره.
وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزًا عن معرفة الحق على التفصيل، وقد فعل ما يقدر عليه مثله من الاجتهاد في التقليد، فهذا لا يؤاخذ إن أخطأ، كما في الاجتهاد في القبلة، وأما إن قلد شخصًا دون نظيره باتباع هواه، ونصره بلسانه ويده من غير علم أن معه الحق، فهذا من أهل الجاهلية، وإن كان متبوعه مصيبًا لم يكن عمله صالحًا، وإن كان متبوعه مخطئًا كان آثمًا. كمن قال في القرآن برأيه فإن أصاب فقد أخطأ، وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار.
ومن ثم قال الشافعي: أجمع المسلمون، على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.
وقال ابن عبد البر وغيره: أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودًا من أهل العلم، وأن العلم معرفة الحق بدليله.
وهذا كما قال، فإن الناس لا يختلفون، أن العلم هو: المعرفة الحاصلة عن الدليل، وأما بدون الدليل فإنما هو التقليد، فقد تضمن هذان الإجماعان إخراج المتعصب بالهوى، والمقلد الأعمى عن زمرة العلماء، وسقوطهما باستكمال من فوقهما الفروض من وراثة الأنبياء، فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم