للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَكُونُوا} أي: من الجهات التي استبقتم إليها، الحسية والمعنوية، {يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} يوم الجزاء، الموافق والمخالف فلا تعجزونه، ثم علل ذلك بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ففي هذه الآية حث المؤمنين على طاعته، والتزود في الدنيا للآخرة، وبها أيضًا وعد لأهل الطاعة ووعيد لأهل المعصية.

ولما عظم تعالى في شأن القبلة انتشار أقوالهم في تنويع شغبهم وجدالهم، وكانوا أهل علم وكتاب، وقد مرت لهم دهور وهم موسومون بأنهم على صواب، فاشرأب لذلك النفاق، ودارت رحى الباطل والشقاق وقامت سوق الفسوق فيما هنالك على ساق؛ كان الحال مقتضيًا لمزيد تأكيد في أمرها، تعظيمًا لشأنها، وتوهية لشبه السفهاء، قال تعالى ثانيًا معبرًا بعبارة مشعرة بإمامته - صلى الله عليه وسلم -، وانتظار المصلين له:

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)}.

حام المفسرون حول الحكمة في هذا التكرار في هذه الآية، وفيما قبلها، وغاصوا بحر معانيها لاستخراج تلك الدرة اليتيمة، وقد ذكر في الدخول عليها قريبًا ما منه يعلم ذلك.

وقيل: إنه لما كان للمصلي ثلاث أحوال؛ لأنه إما أن يكون في المسجد الحرام نفسه؛ أو يكون في مكة خارجًا عنه؛ أو يكون خارجًا عن البلد موجودًا في قطر من أقطار الأرض.

فالآية الأولى لبيان حكم الأول، والثانية للثاني، والثالثة للثالث.

وقيل: إنما أعاد الله ذلك ثلاث مرات، لأن كل مرة تعلق بها فائدة زائدة؛ وهي في الآية الأولى: بيان أن أهل الكتاب يعلمون نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن هذه القبلة حق لأنها قبلة إبراهيم عليه السلام، وهو الذي بني الكعبة ودعى لأهلها.

<<  <   >  >>