للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الثانية: بيان أنه تعالى يشهد أن ذلك حق، وشهادة الله بكونه حقًا مغاير لعلم أهل الكتاب بكونه حقًا.

وفي الثالثة: بيان أنه إنما فعل ذلك لئلا يكون للناس عليكم حجة، فلما اختلفت الفوائد حسنت الإعادة ليترتب على كل معاد فائدة لم تكن في غيره.

وقيل: إنه تعالى لما قال في الآية الأولى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ربما خطر ببال جاهل، أنه فعل ذلك إرضاء لنبيه، فكرر تعالى ما بعدها من الآيتين، فكأنه يقول في الأولى المكررة: نحن ما حولناك إلى هذه القبلة بمجرد رضاك، بل لأجل أن هذا التحويل، هو الحق الذي لا محيد عنه، فاستقبلها ليس لأجل الهوى والميل.

وكأنه يقول في الثانية: دوموا على هذه القبلة في جميع الأزمنة والأوقات، ولا تولوا، فيصير ذلك التولي سببًا للطعن في دينكم، بمعنى: أنها لن تنسخ في المستقبل.

ومحصل ذلك: أن كل آية من الآيات المكررات قرنت بفائدة لم تكن في التي قبلها، ولما كانت هذه الواقعة أول وقائع النسخ، حسن الإطناب فيها والتكرار، لأجل التأكيد والتقرير، وإزالة الشبهة وإيضاح البينات.

فقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} معناه: ومن أي بلد خرجت للسفر {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} إذا صليت، {وَإِنَّهُ} أي: هذا المأمور به {لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، قرئ بالتاء وبالياء، {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} من بقاع الأرض للصلاة، {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، فذلك حتم لا فتور عنه ولا رخصة، إلا ما استثني في الأحاديث من صلاتي النفل والخوف.

ثم بيّن أن ذلك الحكم غير مختص به - صلى الله عليه وسلم -، بل هذا الفرض عليه وعلى أمته فقال: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} أيتها الأمة، من جميع أقطار الأرض الدانية والقاصية، {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، نحوه للصلاة، ففيه إشعار بلحظ صحة صلواتهم

<<  <   >  >>