للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم سجل الله عليهم بالكذب فقال: {إن كنتم صادقين}، أي: معتقدين للصدق في دعواكم خلوص الجنّة لكم، ولما كان في الكلام محذوف، أغنى سياق الكلام عن ذكره، وكان ذلك المحذوف، "فقال لهم: فما تمنوه"، عطف عليه قوله: {ولن يتمنوه أبدًا} إخبارًا بالغيب، وقطعًا للعناد. ثم إنه على مذهب من يقول: إن "لن" معناها اقتضاء النفي على التأبيد، يكون قوله {أبدًا} للتأبيد. وعلى مذهب من يقول: إن "لن"، بمعنى "لا" تكون {أبدًا}، مفيدة لاستغرق الأزمان، والمعنى ما يستقبل من زمن أعمارهم.

وقد زعم كثير من المفسرين منهم "المهدوي" في كتاب "التحصيل" و"ابن عطية" في تفسيره، إلى أن هذه المعجزة كانت على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ارتفعت بوفاته. وهذا القول مخالف لظاهر القرآن، لأن {أبدًا} ظاهره أن يستغرق مدة أعمارهم، كما بيناه سابقًا.

ثم ذكر السبب في عدم التمني فقال: {بما قدمت أيديهم} أي: من الظلم، وعبر باليد التي بها أكثر الأفعال إشارة إلى أن أكثر أفعالهم لقباحتها كأنها خالية عن القصد، ثم ختم الآية بالتهديد لهم، فقال: {والله عليم بالظالمين}، وذلك أن علم الله يتعلق بالظالم وغير الظالم، فلما اقتصر على ذلك الظالم دل على أن مساقه للتهديد والوعيد.

ثم إن هذه الآية تدل على تجاسرهم، وهذا معلوم من هذه الآية ومن غيرها من الآيات، ولكن الخفي إنما هو سببه، وهو يحتمل وجوهًا:

أحدها: أن الَّذي جرأهم على ذلك، اعتقادهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وعليه فتكون هذه الآية تهديدًا لهم، ولكل من اغتر بمثل غرورهم، فظن أنَّه بمجرّد ظنه بأنه من أحباب الله تعالى، كان مغفورًا له جميع ما عمل، فتراه يسرح ويمرح، وربما وسوس له الشيطان بأن من وصل إلى درجة المعرفة سقط عنه التكليف، وهنالك يزداد في الطغيان فيهوي في مهاوي الخسران.

وثانيها: يحتمل أن الحامل لهم على ذلك، دعواهم بأنهم على الحق وسواهم على باطل، فقادتهم دعواهم تلك إلى معاداة كل من نادى بخلاف

<<  <   >  >>