للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قسم منهم وهو القليل يتمسك بدينه الإِسلامى، لكنه يكون متهاونًا بالعبادات وبالتكاليف.

وقسم منهم ينسلخ من الأديان كلها ويأخذ بالزندقة والإلحاد، ويعتقد أن الطبيعة هي الفعال المطلق، وأن لا إله في الوجود.

وقسم يميل إلى النصرانية ميلًا لا اتباعًا، فيكون مذبذبًا بين النطق بكلمة التوحيد، وبين الزندقة والنصرانية.

والذي نشهد الله عليه: أنه ما أضل مَنْ ضل إلا جهلةُ المؤلفين والمدرسين، وبعض أهل العلم الذين يلقون إلى العامة الخرافات التي لم يأت بها قرآن، ولا صح منها شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين لهم بإحسان، وإنما هي دسائس من الوثنين والنصارى واليهود، والزنادقة، وأهل التناسخ من القرامطة، ومن كان على شاكلتهم وخصوصًا القرامطة، فإنهم كانت لهم دولة، وكان لهم دعاة يلبسون دعوتهم لباس الفلسفة، ويبرزونها في صورة التصوف، ومن دعاتهم من كان واسع التخيل إما بطبعه، وإما باستعمال ما يعين على ذلك، كالحشيشة وأمثالها، فتجرؤوا على تفسير كتاب الله تعالى حتى أخرجوه عن موضوعه، وظهروا بمظهر الفقر والإرشاد، فراج مظهرهم على العوام، وعلى المغفلين من أهل العلم، فقلدوهم في ذلك وشرحوا أقوالهم، وزينوا بها مؤلفاتهم على زعمهم، وراموا اللحاق بمقامات زينها لهم الداعون، فماتوا ولم يصلوا إليها، لأنها خيال في خيال، لا حقيقة لها، حتى جرهم ذلك إلى القول بالاتحاد وطرح التكاليف الشرعية، وقالوا: إن العارف إذا وصل إلى مقام المعرفة سقط عنه التكليف، وما التكليف إلا حجاب بين العبد وبين ربه، وأن الله سبحانه حالٌّ في الأشخاص كلها وفي جميع الموجدات، فأنت هو، وهو أنت، فمن المكلف؟ ، هل تكلف ذاتُه ذاتَه؟ وهذا هو مقام المعرفة عندهم، لهذا المذهب في زمننا رواج عظيم، حتى عند المغفلين من أعاظم العلماء، فإذا كان النصارى كفروا بالتثليث فهؤلاء جعلوا آلهة لا يحصيها إلا الله تعالى، هؤلاء أولى بأن يقال لهم: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: ١٣٥]، قال الديريني الشهير بالدميري في "التيسير":

<<  <   >  >>