للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبد الرحمن ثقة، مخرج له في الصحيحين، وليس هذا بمنصور الغُدَاني (١)، هذا ما قاله ابن عبد الهادي. وأيًا ما كان، فلا يعارض الآية، ولا يدل على الركنية.

وعندي: أن الآية تدل على أن السعي تطوع في الحج، لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ولقوله: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} فلو كان السعي ركنًا لتوعد الله على تركه، كما هو عادة الكتاب العزيز، والحق: أن يترك حكم القرآن على ظاهره، ولا يعدل به إلى التأويل، ليوافق قولًا قاله قوم، على أننا لو سلمنا صحة الحديث، فإن الآية تكون قرينة على صرف قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اسعوا ... " الذي هو أمر عن الوجوب، فضلًا عن الركنية، والحق أحق أن يتبع.

والحكم الثاني: المستنبط من هذه الآية، أن العقل وحده لا يدرك جميع ما هو حسن أو قبيح إلا بواسطة الشرع، ألا ترى أن أفعال الحج يراها العقل كالعبث الخالي عن المنفعة والمضرة، ومنها السعي وقد دلت الآية على أن من فعلها، كان الله له شاكرًا لما يفعله الساعي، عالمًا به، فيجزيه أحسن الجزاء، على فعله، وهذا هو المقصود من النفع شرعًا.

والحكم الثالث: أن قوله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} يدل على أن السعي ليس عبادة تامة في نفسه، وإنما يصير عبادة إذا صار بعضًا من أبعاض الحج، ولهذا السر بيّن الله الموضع الذي يصير فيه السعي عبادة.

والحكم الرابع: أن قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ} يدل على أن طاعة العبد مقبولة عند الله تعالى، وواقعة موقع القبول في أقصى الدرجات.

ودل قوله: {عَلِيمٌ} على أن العمل لا بد من الإخلاص فيه، فإن الله عليم بفعل العبد، إن أخلص العمل له أثابه عليه، وإلا وكله لمن عمل له من الأغيار.

والحكم الخامس: دلت الآية على أن الطواف إنما يكون بالصفا والمروة، فمن سعى بينهما من غير صعود عليهما لم يُعدَّ طائفًا، ودلت الآية أيضًا على مطلق


(١) الأصل: (العدائي) والتصحيح من "الخلاصة" و "التقريب".

<<  <   >  >>