للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العمى، وهذا نظير قوله تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ} [الذاريات: ٥٣] وإن كانت مختلفة باعتبار العلم، وفي ذلك تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، بأنه كما تعنت عليه، تعنت على من قبله.

وحاصل المعنى: أنا قد أيدنا قول محمد - صلى الله عليه وسلم -، بالمعجزات، وبينا صحة قوله بالآيات، وهي القرآن وسائر المعجزات، فكان طلب هذه الزوائد من باب التعنت، ولما كان ذلك توقع السامع الإخبار عن البيان، فكان كأنه قيل: هل قالوا ذلك جهلًا أو عنادًا؟ ! فقيل؛ بل عنادًا لأنا قد بينا الآيات في كل آية في الكتاب المبين المسموع، والكتاب الحكيم المرئي، ولما كان يقع البيان خاصًا بأهل الإيقان، قال: {لقوم يوقنون} وفيه بعث للشاك على تعاطي أسباب الإيقان، وهو صفاء العلم عن كدر تطرق الريب، لاجتماع شاهدي السمع والعين.

ولما تضمن هذا السياق شهادة بصحة رسالته - صلى الله عليه وسلم -، وأنه ليس عليه إلا البيان، صرح بالأمرين بقوله مؤكدًا لكثرة المنكرين، فقال:

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (١١٩)}.

أي: {إنا أرسلناك} لأن تبشر وتنذر، لا لتجبر على الإيمان، وهذا تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتسرية عنه لأنه كان يغتم ويضيق صدره، لإصرارهم وتصميمهم على الكفر، {ولا} نسألك {عن أصحاب الجحيم}، ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بذلت جهدك في دعوتهم، وهذا نظير قوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: ٤٠] فأقبل على أمرك ولا تبال بهم، واحتقرهم، فإنهم أقل من أن يلتفت إليهم، وقيل: إن معنى {ولا نسأل عن أصحاب الجحيم} تعظيم ما وقع فيه الكفار من العذاب، كما إذا سألت عن إنسان واقع في بلية، فيقال لك: لا تسأل عنه، وهذا على قراءة "ولا تَسأل" بفتح التاء، ووجه التعظيم أن المسؤول يجزع أن يجري على لسانه ما هو فيه لفظاعته، فلا تسأله ولا تكلفه ما يضجره، أو أنت يا مستخبر لا تقدر على استماع خبره، لإيحائية السامع وإضجاره، فلا تسأل.

<<  <   >  >>