الذي ننقل محصله الآن، وسمه بـ "ذكر السبب في تبديل التوراة"، فقال: إن علماء اليهود، وأحبارهم يعلمون أن هذه التوراة التي بأيديهم لا يعتقد أحد منهم أنَّها المنزلة على موسى ألبتة، لأنَّ موسى وإن التوراة عن بني إسرائيل، ولم يبثها فيهم، وإنَّما سلمها إلى عشيرته أولاد "ليوي"، وكان بنو هارون قضاة اليهود وحكامهم، لأنَّ الإمامة وخدمة القرابين وبيت المقدس كانت موقوفة عليهم، ولم يبذل موسى من التوراة لبني إسرائيل إلَّا سورة واحدة، يقال لها "هاأزينو" لتكون شاهدًا على بني إسرائيل، وكانت مشتملة على ذم طبائعهم، وأنهم يخالفون شرائع التوراة، وأن السخط يأتيهم بعد ذلك وتخرب ديارهم، ويشتتون في البلاد، وفي هذه السور يقول:"كي لوتشا خاخ مفي زرعون"، تفسيره: لأنَّ هذه السورة لا تنسى من أفواه أولادهم، وهذا يدل على أن غيرها من السور ينسى، ثم إن بقية التوراة بقيت عند أولاد هارون إلى أن جاء "عزرا"، فأخرج لهم هذا الكتاب الموجود بأيديهم اليوم، ولهذا يعظمونه غاية التعظيم، وزعموا أن النور لا يزال يظهر على قبره الذي عند البطائح بالعراق, لأنَّه عمل لهم كتابًا يحفظ لهم دينهم، ومن قرأ فصول ذلك الكتاب الذي بأيديهم علم يقينًا، أن الذي جمعه رجل فارغ جاهل الصفات الإلهية، فلذلك نسب إلى الله تعالى صفات التجسيم والندامة على ماضي أفعاله، والإقلاع عن مثلها، وغير ذلك مما يستحيل على الله سبحانه وتعالى، وحاشى أن يأتي بمثله كتاب منزل.
ثم قال في "بذل المجهود" بعد هذا: ولا ينبغي للعاقل أن يستبعد اصطلاح كافّة هذه الطائفة على المحال، واتفاقهم على فنونهم من الكفر والضلال، فإن الدولة إذا انقرضت من أمة باستيلاء غيرها عليها، وأخذها بلادها، انطمست حقائق سالف أخبارها، واندرس قديم آثارها، وتعذر الوقوف عليهما، لأنَّ الدولة إنَّما يكون زوالها من أمة بتتابع الغارات والمضايقات، وإخراب البلاد وإحراق بعضها، فلا تزال هذه الفتن متتابعة إلى أن تستحيل علومها جهلًا، وآثارها قلًا، وكلما كانت الأمة أقدم، واختلفت عليها الدول المتناولة لها بالإذلال، كان حظها من اندراس الآثار أكثر، وهذه الطائفة أعظم الطوائف حظًا مما ذكرنا، لأنهم من أقدم الأمم عهدًا، ولكثرة الأمم التي استولت عليها، مثل الكسدانيين والبابليين،