للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا يمكن الجزم بوحدة الكرة المتحركة بالحركة اليومية، فلعلها كرات كثيرة مختلفة في مقادير حركاتها بمقدار قليل جدًا، لا تفي بضبط ذلك التفاوت أعمارنا، وبعضهم أثبت كرة بين كرة الثوابت والفلك الأعظم، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، فهذا الذي علموه، والذي سيعلمونه، هو مما شاء سبحانه وتعالى، ولقد نُقل لنا أن أحد فلاسفة الفرنجة في زمننا، كتب في مجلة [من] المجلات الفرنسوية ما معناه: نحن لا نحتاج اليوم مطلقًا لمعجزات وخوارق وعادات، تثبت لنا وجود الخالق، وتحثنا على العبادة، والإخبات لله، فإن هذا الكون البديع الذي لا نهاية له من وجهتيه، هو بالنسبة لنا المعجزة الخالدة التي تصلح لإيقاظ عاطفة الدين في أفئدتنا أكثر من المعجزات السابقة، وأطال في هذا المعنى.

فانظر كيف تنطبق هذه الآية التى نحن بصدد تفسيرها على مطلوب روح كل عصر تمام الانطباق، وتتفق على ما تنشده العقول الصحيحة كمال الاتفاق، وهذا بحث طويل لا يهتدي إلى نتيجته إلا العقول المفاض عليها هداية الله تعالى.

فالأرض والبحار والهواء وكل ما تحت السماوات، بالإضافة إلى السماوات، كقطرة في بحر، قال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨)} [النازعات] ولهذا قلّ أن تجيء سورة في القرآن، إلا وفيها ذكر السماوات، إما إخبارًا عن عظمتها وسعتها، وإما إقسامًا بها، وإما دعاء إلى النظر فيها، وإما إرشادًا للعباد أن يستدلوا بها على عظمة بانيها ورافعها، وإما استدلالًا منه سبحانه بخلقها، على ما أخبر به من المعاد والقيامة، وإما استدلالًا منه بربوبيته لها على وحدانيته، وأنه هو الذي لا إله إلا هو، وإما استدلالًا منه بحسنها واستوائها والتئام أجزائها، وعدم الفطور فيها على تمام حكمته وقدرته، وكذلك ما فيها من الكواكب، والشمس والقمر، والعجائب التي تتقاصر عقول البشر عن قليلها، فكم من قسم في القرآن بها، كقوله: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} - {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} - {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} - {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} - {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} - {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} - و {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} - {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} وهي الكواكب التي تكون خُنّسًا عند طلوعها،

<<  <   >  >>