للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحجارة، وعملوا من الطلسمات (١) ما نفوا به الأعداء عن بلادهم، وآثارهم ظاهرة إلى اليوم في البراري (٢) والأهرامات.

ولما خالط الإسرائيليون أهل مصر أخذوا منهم فن السحر والطلسمات، واتبعوا ذلك، وازداد اتباعهم له في عهد سليمان، فتركوا شرعهم وأنكروا النبوات اتباعًا للفلاسفة، فرد عليهم تعالى، بهذه الآية بقوله: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: ١٠٢] وأخبر أن معتقدهم إنما هو اعتقاد البابليين الصابئة عبدة الأوثان، وأن هذا كفر، وأن ما كان يفعله سليمان إنما هو بطريق المعجزة، لا بطريق ما ادعوه من أنَّه سخَّر الجن والريح بالسحر، لأنَّه كفر، {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: ١٠٢] فانظر إلى هذا الَّذي نقله العلماء عن أهل بابل ومصر، وانظر إلى تلك الآية فإنك تراها مجملة تاريخ العلوم الفلسفية، ونشأتها في أهل بابل وانتقالها إلى أقباط مصر، ثم انتقال نوع منها إلى الإسرائيليين على أبلغ وجه وأخصره.

وكان أهل بابل، ثم الأقباط، ثم فلاسفة اليونان من بعدهم، لهم مسلك في نوع من علومهم، سلكوا في بيانه مسالك الخرافات، بأن يرتبوا حكاية على ألسنة البهائم أو غيرها، يشيرون بها إلى نوع من علومهم على سبيل الرمز والإيماء، كما اخترعوا قصة "إبسال وسلامان" وأشار إليهما الشيخ الرئيس "ابن سينا"، وقصة "حي بن يقظان" التي شرحها "أبو جعفر بن الطفيل"، وكما اخترعوا "لغز قابس" إشارة إلى أن دوران الفلك وتصرفات الأمور ليس إلا على سبيل الصدفة، وكذلك اخترعوا قصة "هاروت وماروت" و"الزهرة"، ولقد رأيت كتابًا مترجمًا على اللغات سماه صاحبه "خرافات اليونان"، وفيه كثير من الأشياء التي يذكرها المفسرون في كتبهم.

ثم إن الإسرائيليين لغلظ أكبادهم، أخذوا تلك الخرافات على حقيقتها ودسوها في أول الملة الإسلامية، فأخذت عنهم على سبيل الحقيقة، وأودعها المؤلفون كتبهم بأسانيد متصلة إلى كعب ووهب وغيرهما، وجعلوها في كتب


(١) كذا الأصل ولعله أراد الأبنية والأسوار والخنادق.
(٢) الأصل (البرابي) ولعلها تصحيف.

<<  <   >  >>