للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وعيد لهم، أي: يسمع ما ينطقون به، ويعلم ما يضمرون من الحسد والغل، وهو معاقبهم عليه، ويصح أنه وعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمعنى: أن الله يسمع ما تدعو به ويعلم نيتك، وما تريده من إظهار دين الحق، وهو مستجيب لك وموصلك إلى مرادك.

ولما ذكر تعالى الجواب الثاني، وهو أن ذكر ما يدل على صحة هذا الدين، ذكر بعده ما يدل على أن دلائل ذلك الدين واضحة، فقال:

{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: ١٣٨].

الصبغة: الدين. وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فإنها حِلية الإنسان، كما أن الصبغة حلية المصبوغ، والعرب تسمي ديانة الشخص لشيء واتصافه به: صبغة، قال بعض شعراء ملوكهم (١):

وكل أناس لهم صبغة ... وصبغة همدان خير الصبغ

صبغنا على ذاك (٢) أبناءنا ... فأكرم بصبغتنا في الصبغ

وقال الراغب: الصبغة إشارة إلى ما أوجده في الناس من بدائه العقول التي ميزنا بها عن البهائم، ورشحنا بها لمعرفته ومعرفة طلب الحق، هو المشار إليه بالفطرة، وسمي ذلك بالصبغة من حيث إن قوى الإنسان إذا اعتبرت جرت مجرى الصبغة في المصبوغ، فكأنه تعالى قال: إن دين الله الذي ألزمكم التمسك به، فالنفع به سيظهر دينًا ودنيا، كظهور حسن الصبغة.

والمعنى: أن الله يصبغ عباده بالإيمان، ويطهرهم به من أوساخ الكفر، فلا صبغة أحسن من صبغته، و {صِبْغَةَ} منصوب انتصاب المصدر المؤكد عن قوله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} وقيل: عن قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. وقوله: {وَنَحْنُ لَهُ


(١) لقد زعم أحد المؤلفين أن ليس بين الخلفاء والملوك من له شعر وأدب سوى الخلفاء الأربعة. والصحيح الذي لا ريب فيه أن الخلفاء والملوك والأمراء فيهم الشعر الكثير. . وعندنا كتاب في ذلك أرجو الله أن أتمكن من إصداره.
(٢) الأصل: (ذلك) والتصحيح من "البحر".

<<  <   >  >>