للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} الآية، فكأنه تعالى يقول لنبيه: يا محمد بشر الصابرين على امتحاني بما أمتحنهم (١) به، والحافظين أنفسهم عن التقدم على نهيي عما أنهاهم عنه، والآخذين أنفسهم بأداء ما أكلفهم من فرائضي، مع ابتلائي إياهم بما أبتليهم (٢) به، القائلين إذا أصابتهم مصيبة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فأمره الله تعالى ذكره، بأن يخص - بالبشارة على ما يمتحنهم به من الشدائد - أهلَ الصبر الذين وصف الله صفتهم، وأصل التبشير: إخبار الرجل [الرجلَ] (٣) الخبرَ، يسره أو يسوءه، لم يسبقه به إليه غيره.

وقوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} جواب سؤال مقدر، وهو عندي أرجح من أن يكون نعتًا للصابرين، أو منصوبًا على المدح، فكأنه قيل: من الصابرون؟ فقال: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} الآية، أي: الذين يعلمون أن جميع ما بهم من نعمة فمني، فيقرون بعبوديتي، ويوحدونني بالربوبية، ويصدقون بالمعاد والرجوع إلي، فيستسلمون لقضائي، ويرجون ثوابي ويخافون عقابي، ويقولون - عند امتحاني إياهم في بعض محني، وابتلائي إياهم بما وعدتهم أن أبتليهم (٢) به، {مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ، وَنَقْصٍ .. مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}، وغير ذلك من المصائب التي أنا ممتحنهم بها -: إنا مماليك ربنا ومعبودنا أحياءً، ونحن عبيده (٤)، وإنا إليه بعد مماتنا صائرون. تسليمًا لقضائي، ورضًا بأحكامي.

وقوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ} الآية، معناه: هؤلاء الصابرون - الذين وصفهم ونعتهم - {عَلَيْهِمْ}، لهم {صَلَوَاتٌ}، يعني: مغفرة، وإقبال عليهم بعطفه، إخراجًا لهم من حال ظلمة إلى رفعة نور، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: ٤٣].


(١) الأصل: "امتحنتهم، ابتليتهم"- تبعًا لمطبوعة الطبري السابقة.
(٢) ممم قال الشيخ شاكر: والسياق يقتضي ما أثبت.
(٣) زيادة من الطبري.
(٤) الأصل: (عنده) والتصحيح من الطبري.

<<  <   >  >>