وجوه النسب، وذلك لأجل اللحمة الحاصلة من الولاء، مثل لحمة النسب أو قريبًا منها ومن هذا تفهم معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم"(١) بمعنى: أن النسب إنَّما فائدته هذا الالتحام الذي يوجب صلة الأرحام حتَّى تقع المناصرة والنعرة، وما فوق ذلك مستغنى عنه، إذ النسب أمر وهمي لا حقيقة له، ونفعه إنَّما هو في هذه الوصلة والالتحام.
فإذا كان ظاهرًا واضحًا حمل النفوس على طبيعتها من النعرة كما قلناه، وإذا كان إنَّما يستفاد من الخبر البعيد ضعف فيه الوهم، وذهبت فائدته وصار الشغل به مجانًا ومن أعمال اللهو المنهي عنه، ومن هذا الاعتبار معنى قولهم: النسب علم لا ينفع، وجهالة لا تضر، بمعنى: أن النسب إذا خرج عن الموضوع وصار من قبيل العلوم، ذهبت فائدة الوهم فيه عن النَّفس، وانتفت النفرة التي تحمل عليها المعصية، فلا منفعة فيه حينئذٍ، هذا كلام ذلك العالم العمراني.
ولما كانت الشفقة على الضعيف من مقتضى الكمالات الإنسانية، والقسوة عليه من مقتضى التوحش، عطف تعالى على قوله:{وذي القربى}، قوله:{واليتامى والمساكين}، فأوصى باليتامى لضعفهم، وبالمساكين لكسرهم، وأيضًا فإن اليتيم كالتالي لرعاية حقوق الأقارب، وذلك لأنَّه لصغره لا ينتفع به، وليتمه وخلوه عمن يقوم به يحتاج إلى من ينفعه، والإنسان قَلَّما يرغب في صحبة مثل هذا، وإذا كان هذا التكليف شاقًا على النَّفس لا جرم، كانت درجته عظيمة في الدين، وأخر المساكين عن اليتامى في الذكر، لأنَّ المسكين قد يكون بحيث ينتفع به في الاستخدام، فكان الميل إلى مخالطته أكثر من الميل إلى مخالطة اليتامى، ولأن المسكين أيضًا يمكنه الاشتغال بتعهد نفسه ومصالح معيشته، واليتيم ليس كذلك.
وقد حض النبي - صلى الله عليه وسلم -، على السعي على المسكين واليتيم، فأخرج البُخاريّ ومسلم، والإمام أحمد والترمذي والنَّسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّه