للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقولوا: {انظرنا} أي: أمهلنا حتَّى نحفظ {واسمعوا} وأحسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويلقي عليكم من المسائل، بآذان واعية، وأذهان حاضرة حتَّى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاة.

أو المعنى: {اسمعوا} سماع قبول وطاعة، ولا يكن سماعكم مثل سماع اليهود، حيث {قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: ٩٣]. أو المعنى: {اسمعوا} ما أمرتم به بجد، حتَّى لا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه، تأكيدًا عليهم ترك تلك الكلمة، {وللكافرين} أي: لليهود الذين تهاونوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسبوه، {عذاب أليم}.

قال الأصفهاني: وهذا النهي اختص بهذا الوقت، قال الواحدي: لإجماع الأمة على جواز المخاطبة بهذا اللفظ الآن.

وللمفسرين في معنى {راعنا} اختلاف كثير، والأولى ما قاله ابن جرير من أن الله عَزَّ وَجَلَّ نهى المؤمنين أن يقولوا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - كلمة كرهها الله لهم أن يقولوها لنبيه، محافظة على تعظيمه، كما نهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض وخلاصته: أنَّه أمرهم أن يتخيروا لخطابه من الألفاظ أحسنها، ومن المعاني أرقها، فكان من ذلك قولهم: راعنا لما فيه من احتمال معنى ارعنا نرعاك، إذ كانت المفاعلة لا تكون إلا من اثنين، ومعنى أرعنا سمعك حتَّى نفهمك وتفهم عنا، فنهى الله أصحاب نبيه أن يقولوا ذلك كذلك، وأن يفردوا مسألته بانتظارهم وإمهالهم، فيعقلوا عنه بتبجيل منهم له وتعظيم، وأن لا يسألوه ما سألوه من ذلك على وجه الجفاء والتهجم منهم له، ولا بالفظاظة والغلظة تشبيهًا منهم باليهود في خطابهم له، بقولهم له: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا} [النساء: ٤٦]. ويدل على صِحة هذا المعنى قوله تعالى {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٠٥]. فدل بذلك أن الَّذي عاتبهم عليه مما يسر اليهود والمشركين.

ولما بين تعالى حال اليهود والكفار في العَداوة والمعاندة، حذر المؤمنين منهم فقال:

<<  <   >  >>