للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسائر الآيات التي هي نظير ذلك، كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم.

وفي "الكشاف": أن ابن عباس قرأ: "وإذا ابتلى إبراهيمُ ربَّه"، على جعل "إبراهيم" فاعلًا، و "رب" مفعولًا به، ونسب هذه القراءة إلى أبي حنيفة، قال: والمعنى: أنه دعاه بكلمات من الدعاء، فعل المختبر، هل يجيبه إليهن أو لا، انتهى.

وقوله {فأتمهن} معناه: فقام بهن حق القيام، وأداهن أحسن التأدية من غير تفريط وتوان، كما قال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)} [النجم: ٣٧] وفَّى الأخرى لله تعالى، بمعنى: فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئًا، وفي قوله: {فأتمهن} بيان لأن أسنى أحوال العباد الإذعان والتسليم، لمن قامت الأدلة على صدقه، والمبادرة لأمره، دون اعتراض ولا توقف، ولا بحث عن علة، ثم لما كان كأنه قيل: فما جوزي على شكره بالإتمام؟ قيل {قال} له ربه، ويجوز أن يكون "قال" بيانًا لـ {ابتلى} كما ذكرناه آنفًا {إني جاعلك للناس} أي: مصيرك للناس إمامًا يؤتم به ويقتدى به، وكثير من المفسرين فسر الإمامة هنا بالنبوة وهو الصواب، وهذا الجعل يقتضي العصمة، لأن الإمام هو الذي يؤتم به، فلو صدرت المعصية منه لوجب الاقتداء به في ذلك، فيلزم أن يجب على المؤتمين به فعل المعصية، ، وذلك محال لأن كونه معصية، عبارة عن كونه ممنوعًا من فعله، وكونه واجبًا عبارة عن كونه ممنوعًا من تركه، والجمع بينهما محال.

وقوله: {ومن ذريتي} متعلق بمحذوف، التقدير: {و} اجعل {من ذريتي} إمامًا، لأن إبراهيم فهم من قوله تعالى: {إني جاعلك للناس إمامًا} الاختصاص، فسأل الله أن يجعل من ذريته إمامًا، فأجابه تعالى بقوله: {لا ينال عهدي الظالمين} أي: قد أجبتك وعاهدتك بأن أحسن إلى ذريتك, لكن {لاينال عهدي} الذي عهدته إليك بالإمامة {الظالمين} , منهم لأنهم نفوا أنفسهم عنك في أبوة الدين، وفي ذلك أتم ترغيب في التخلق بوفائه، لاسيما للذين دعوا قبلها

<<  <   >  >>