للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يلتزمون من تعظيمهم والانقياد لهم، ما يلتزمه المؤمنون من الانقياد لله تعالى، وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ٣١].

ولفظ {النَّاسِ} عام، والأولى حمله على كلّ من أهل الكتاب وعبدة الأوثان، ومن كان فعله يقرب من فعل هؤلاء.

وقوله: {يُحِبُّونَهُمْ} معناه: يعظمونهم، ويخضعون لهم، تعظيم المحبوب.

وقوله: {كَحُبِّ اللَّهِ} أورد فيه ابن جرير سؤالًا فقال: فإن قال قائل: فكيف قيل: {كَحُبِّ اللَّهِ}؟ وهل يحب الله الأنداد؟ وهل كان متخذو الأنداد يحبون الله تعالى فيقال: {كَحُبِّ اللَّهِ}؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه، وإنما نظير ذلك، قول القائل: بعت غلامي كبيع غلامك، بمعنى بعته كما بيع غلامك، وكبيعك غلامك، واستوفيت حقي منه استيفاء حقك، بمعنى: استيفائك حقك، فتحذف من الثاني كناية اسم المخاطب، اكتفاء بكنايته في "الغلام" و "الحق" كما قال الشاعر:

فلستُ مُسَلِّمًا ما دمتُ حيًا ... على مَعْنٍ (١) بتسليم الأمير

يعني بذلك كما يسلم على الأمير. فمعنى الكلام إذًا، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ} أيها المؤمنون {مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}. انتهى.

وحاصله: أن المعنى يحبونهم كما يحب الله تعالى، فالحب على هذا مصدر


(١) كذا! وفي الطبري وغيره: "زيد" وهو أبو حصين زيد بن حصين بن زهير الضبي، أحد بني السيد، كان واليًا على أصبهان. ونسب الجاحظ الأبيات في كتاب "البغال" ٢/ ٢٦٠ - ٢٦١ (من رسائل الجاحظ - لعلي بن خالد الضبي الملقب بـ "البَرْدَخْت" وهي فارسية معناها: الفارغ.
ويروى: "معن" أنشدها أعرابي أمام معن في قصة تجدها في "قصص العرب" ٣/ ٢٤٣ برقم ١٠٤ لجاد المولى. ومعن هو معن بن زائدة بن عبد الله بن الشيباني، أبو الوليد، توفي سنة ١٥١ هـ. من أشهر أجواد العرب، وأحد الشجعان الفصحاء، أدرك العصرين الأموي والعباسي. ولاه الخليفة المنصور اليمن ثم سجستان، مات غيلة. انظر الأعلام ٧/ ٢٧٣، وفيات الأعيان ٤/ ٣٣١ ترجمة ٧٠٣ تاريخ بغداد ١٣/ ٢٣٥.

<<  <   >  >>