تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١)} [الكوثر]-: "هو نهر في الجنة، ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر" وهذه الرواية على فرض صحتها، متنافية الظاهر، وليس معناها إلا أن خرير ذلك النهر يشبه الخرير الذي يسمعه حين يدخل إصبعيه في أذنيه، وإلا فكل من طالع شيئًا من فن خواص الأعضاء، يعلم سبب الدويّ الذي يحصل في الأذن عند سدها بالأصبع ونحوها.
وثانيهما: أن بعض البسطاء يروون قوله صلى الله عليه وسلم:
"النيل والفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة" ثم هم لا يوفونه حقه من الشرح والبيان، فيجعلون للطاعن مكانًا، ويفتحون له بابًا للطعن، كما أنهم يفتحون كثيرًا من هذه الأبواب بالجهل، وهم غافلون عن النتائج، فيقول الطاعن حينئذٍ: إن هذه الأنهار الأربعة قد علم مخرجها، وعرف من أين تجيء مياهها، فكيف يمكن أن يقال: إنها من الجنة؟ وبيان حق الحديث من الشرح، أن يقال: إن معناه على ظاهره، بلا تكلف تأويل أصلًا، وهو: أن هذه الأربعة أسماء لأنهار في الجنة، كالكوثر والسلسبيل، وليس في الحديث ما يدل على أن الفرات والنيل، وسيحان وجيحان الموجودين في الدنيا هم من أنهر الجنة حتى يكون للطاعن مجال للطعن، فإن تمسك الطاعن بما رواه عثمان بن سعيد الدارمي، حدثنا سعيد بن سابق، حدثنا مسلمة بن علي، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:
"أنزل الله من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند، وجيحون وهو نهر بلخ، ودجلة والفرات، وهما نهرا العراق، والنيل وهو نهر مصر، أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة، من أسفل درجة من درجاتها على جناح جبريل، فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم فذلك قوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (١٨)} [المؤمنون] فإذا كان عند خروج يأجوج أرسل جبريل، فرفع من الأرض القرآن والعلم كله، والحجر الأسود