يرد أرضها، وأن الماء يجري تحتها، لأنه إذا كان جاريًا تحتها، لم يكن للعيون حظ منه إلا بكشف الساتر بينها وبينه، وقد تكرر وصف أنهار الجنة في القرآن المجيد، فقال تعالى في هذه الآية:{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، وقال في موضع آخر:{تَجْرِي تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}[التوبة: ١٠٠] وفي موضع آخر: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ}[الأعراف: ٤٣، ويونس: ٩، والكهف: ٣١]. وهذا يدل بظاهره على أمور:
أحدها: وجود الأنهار فيها حقيقة.
الثاني: أنها جارية لا واقفة.
الثالث: أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم، كما هو المعهود في أنهار الدنيا.
وقد ظن بعض المفسرين، أن معنى ذلك جريان الأنهار بأمر أهل الجنة، وتصريفهم لها كيف شاؤوا، وكأن الذي حمل ذلك القائل على ذلك، أنه لما سمع أن أنهارها تجري بغير أخدود، فهي جارية على وجه الأرض، حمل قوله:{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} على أنها تجري بأمرهم، إذ لا يكون فوق المكان تحته، وهؤلاء أتوا من ضعف الفهم، فإن أنهار الجنة، وإن قيل: إنها تجري في غير أخدود، فهي تحت القصور والمنازل والغرف، وتحت الأشجار، والله تعالى لم يقل: من تحت أرضها، وقد أخبر سبحانه عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا، فقال:{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ}[الأنعام: ٦] فهذا على ما هو المعهود المتعارف، وكذا ما حكاه من قول فرعون:{وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}[الزخرف: ٥١].
هذا، ومما ينبغي أن يتنبه له العاقل أمران:
أحدهما: ما أخرجه "أبو نعيم الفضل بن دكين" أن "عائشة" قالت - في