للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كفضل النبي - صلى الله عليه وسلم - على معلميهم ممن سواه، ولكن هذا الفضل إنما هو لمن أخذ علمه من الآيات البينات، ومن كلام معلمه، وهو الرسول الأعظم، لا لمن سار وراء معلم آخر تقليدًا له بما لا يعلم معناه، ولا يعرف من أين أخذه، فهو كالدابة التي يقودها صاحبها، لا تعلم ما يقصد، ولا إلى أي وجهة هي سائرة.

وقوله: {وَيُزَكِّيكُمْ} معناه: يطهركم في أقوالكم وأفعالكم، وينميكم بإنعاش قلوبكم، لتشرق بالمعاني الصالحة، والأخلاق الطاهرة، الموجبة للفوز الدائم، والنجاة من شباك المبتدعين، وأهواء الضالين، فكما تتنامى الأجساد بماء المزن والغذاء، تتنامى القلوب بالكتاب العزيز والحكمة، ومتى نمت النفس وزكت قويت على ما شأن قواها أن تناله.

وقوله: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ} أي: يعلمكم الفقه فيه، والفهم لمعانيه، فإن لم يفقه معناه، واستنباط الأحكام منه، لا تنمو نفسه، {وَالْحِكْمَةَ} دقائق الإشارات الشافية لأمراض القلوب المانعة من اتباع الهوى، فـ {الْحِكْمَةَ} المأخوذة من الرسول، هي الغاية الجامعة لكل كتاب وحكمة بما يعلمه الأولون والآخرون، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يتكلم في علوم الأولين، بكلمات يعجز فيها إدراك الخلق: الأطباء، والفلاسفة.

{وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} أي: من الاستنباط من الكتاب، من المعارف بما يدريكم به من الأقوال والأفعال، ويسلككم به من طرق الخير الكاشفة لظلام الظلم، الجالية لمرائي الأفكار، المنفذة لبصائر الاعتبار.

ولما كان ذلك من أعظم النعم، كلف الله عباده عليه بأمرين: الذكر والشكر، فقال:

{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}.

فالذكر يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، أمرهم بذكر القلب، بالتفكر في الدلائل الدالة على ذاته وصفاته، والتفكر في الجواب عن الشبه القادحة في تلك الدلائل، وأن يتفكروا في الدلائل الدالة على التكاليف من غير استرواح إلى طريق

<<  <   >  >>