كما يرشد إليه قوله تعالى:{مُتَشَابِهًا}، فإن المتشابهين لا تكون حقيقتهما واحدة، وإلا لعدّا متماثلين، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وأما قوله تعالى:{وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ}. فالضمير في {لَهُمْ} لـ {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، والمعنى: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات، بأن لهم في الجنة أزواجًا مطهرة مما يختص بالنساء من الحيض والاستحاضة، وما لا يختص بهن من الأقذار والأدناس، ومطهرة أيضًا من دنس الطباع، وطبع الأخلاق التي عليه نساء الدنيا، مما يكتسبن بأنفسهن ومما يأخذنه من أعراق السوء والمناشئ المفسدة، ومن سائر عيوبهن ومثالبهن، وخبثهن وكيدهن، والعموم مستفاد من حذف المتعلق، حيث لم يقل: مطهرة من كذا وكذا، فقد جمع الله تعالى في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات، وما فيها من الأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة، ثم ختم بنعيم القلب، وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد، وعدم انقطاعه، فقال:{وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وخلودهم في الجنات دوام بقائهم فيها، على ما أعطاهم الله فيها من الخيرة والنعيم المقيم، واعلم أن أبدية الجنة، وأنها لا تفنى ولا تبيد، مما نادى به الكتاب المنزل، وصرحت به أحاديث النبي المرسل.
فإن قال قائل: إن الله تعالى استثنى في قوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)} [هود] أي: مقطوع، فما وجه الاستثناء هنا؟ !
قلنا:"إن الذين سعدوا" مراد به العموم، وهم في الجنة خالدون فيها، إلا مدة كونهم يوم القيامة في الموقف، وعلى هذا فليس في الآية تخصيص، لأنه من المعلوم: أن إحيائهم هو أول يوم من أيام قيامهم، وهم لا يدخلون الجنة من أول الأمر، بل لا بد لهم من الوقوف في الموقف.
وأما أهل العربية, فقال سيبويه والفراء: إن {إِلَّا} هنا بمعنى "لكن"، نظير قولك: لي عليك ألف إلا الألفين اللذين قبلها، والمعنى على هذا: سوى ما