وقالت طائفة أخرى: التشابه إنما هو في اللون، والطعم مختلف، وهو مروي عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وبه قال مجاهد، والربيع بن أنس.
وقال بعضهم: تشابهه في اللون والطعم، وهو مروي عن مجاهد ويحيى بن سعيد.
وقال بعضهم: تشابهه، تشابه ثمر الجنة وثمر الدنيا، في اللون، وإن اختلف طعومهما، وهو قول قتادة وعكرمة.
وقال بعضهم: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا الأسماء، وهو قول لابن عباس، ومحمد بن بشار (١)، وعبد الرحمن بن زيد، واختار ابن جرير الطبري هذا القول، وإليه جنح المتأخرون من علماء اللغة والبيان، فقال العلامة في "الكشاف":
إنما تشابه كل من ثمر الدنيا وثمر الآخرة، لأن الإنسان بالمألوف آنس، وإلى المعهود أميل، واذا رأى ما لم يألفه نفر عنه طبعه، وعافته نفسه، ولأنه إذا ظفر بشيء من جنس ما سلف له به عهد، وتقدم له معه إلف، ورأى فيه مزية ظاهرة، وفضيلة بينة، وتفاوتًا بليغًا بينه وبين ما عهد، أفرط ابتهاجه واغتباطه، وطال استعجابه واستغرابه، وتبين كنه النعمة فيه، وتحقق مقدار الغبطة به، ولو كان جنسًا لم يعهده، وإن كان فائقًا، حسب أن ذلك الجنس لا يكون إلا كذلك، فلا يتبين موقع النعمة حق التبين، فحين أبصروا الرمانة من رمان الدنيا، ومبلغها في الحجم، وأن الكبرى لا تفضل عن حد البطيخة الصغيرة، ثم يبصرون رمانة الجنة تشبع السكن، كان ذلك أبين للفضل، وأظهر للمزية وأجلب للسرور، وأزيد في التعجب من أن يفاجؤوا بذلك الرمان من غير عهد سابق بجنسه، هذا كلامه.
ونحن قد سردنا هنا الأقوال، وتكلمنا بحسب ما تقتضيه اللغة، مع علمنا بأن الأمر غيب، وأنه لا شيء مما في الدنيا يشبه شيئًا مما في الآخرة شبهًا تامًا،