للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: أن الماء جعله تعالى سببًا لحياة الإنسان، ولأكثر منافعه، وسببًا لرزقه.

ومنها: أن حدوث الحيوانات قد يكون بالتوليد، وقد يكون بالتوالد، وعلى التقديرين فلا بد فيهما من الصانع الحكيم.

ولما ذكر تعالى بث ما هو السبب للنبات المسبب عن الماء، ذكر بث ما هو سبب السحاب المسبب للمطر المسبب للحياة، فقال: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} أي: إجرائها على مقتضى الحكم عليها، يرسلها مرة {لَوَاقِحَ} [الحجر: ٢٢]، وتارة يجعلها "عقيمًا" (١)، وآونة يبعثها عذابًا {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: ٢٥].

قال ابن جرير: وزعم بعض أهل العربية، أن معنى قوله: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} أنها تأتي مرة جنوبًا وشمالًا، وقبولًا ودبورًا، ثم قال: وذلك تصريفها. وهذه الصفة التي وصف الرياح بها، صفة [تصرّفها لا صفة] (٢) تصريفها. لأن ["تصريفها"] (٣): تصريفُ الله لها، و "تصرفها": اختلافُ هبوبها. وقد يجوز أن يكون معنى قوله: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} تصريف الله هبوب الريح باختلاف مهابّها. انتهى.

ومن آياته تعالى، ما جعل فيها من القوة التي تقلع الأشجار؛ وتعفي الآثار وتهدم، وتهلك الكفار كما أهلكت قوم عاد؛ وتربية الزرع وتنميته واشتداده بها؛ وسوق السحاب إلى البلد الماحل؛ وأنها لو انقطعت ساعة عن الحيوان لمات.

{وَالسَّحَابِ} وهو: المتراكم في جهة العلو، من جوهر ما بين الماء والهواء المنسحب في الجو {الْمُسَخَّرِ} أي: المجرى على مقتضى غرض ما سخر له {بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} لا يهوي إلى جهة السفل مع ثقله بحمله بخار الماء، كما تهوي بقية الأجرام العالية، حيث لم يكن لها ممسك محسوس، ولا يعلو ولا


(١) إشارة للآية ٤١ من سورة الذاريات.
(٢) و (٣) الزيادتان من الطبري.

<<  <   >  >>