للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق، لأن المواجهة بالشيء تقتضي شدة الإنكار، وعظم الشيء الذي ينكره، ومن قرأ بالياء، وهم الباقون، فالظاهر أنه عائد على أهل الكتاب، لمجيء ذلك في نسق واحد من الغيبة، وعلى كلتا القراءتين فهو إعلام بأن الله تعالى لا يهمل أعمال العباد، ويغفل عنها، وهو متضمن الوعيد.

ولما بين تعالى في الآية الأولى، أن الذين أوتوا الكتاب يعلمون أن هذه القبلة حق، بيّن بعد ذلك أن صفتهم لا تتغير في الاستمرار على المعاندة، فقال:

{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)}.

وهذا الكلام إنما هو تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم -، عن قبول أهل الكتاب الحق، بأنهم قد انتهوا في العناد، وإظهار المعاداة إلى رتبة لو جئتهم فيها بجميع المعجزات، التي تقتضي كل معجزة منها قبول الحق، ما تبعوك ولا سلكوا طريقك، وإذا كانوا لا يتبعونك مع مجيئك لهم بجميع المعجزات، فأحرى لهم أن لا يتبعوك إذا جئتهم بمعجزة واحدة.

والمعنى: {بِكُلِّ آيَةٍ} تدل على أن توجهك إلى الكعبة هو الحق، وأطلق {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}، فقال جماعة: المراد جميع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، علمائهم وعامتهم، والأولى أن يكون المراد بهم علماؤهم، الذين أخبر الله عنهم في الآية المتقدمة بقوله: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} ويدل على هذا الإيتاء المفهوم من {أُوتُوا}، لأنه لا يكون حقيقة إلا للعلماء الذين يفهمونه ويبلغونه للعوام، فهم لهم تبع.

ودلت الآية على أن إعراضهم عن قبول هذا الدين، لم يكن لشبهة تزول بإيراد الحجة، بل هو محض المكابرة والعناد والحسد، وذلك لا يزول بإيراد الدلائل.

وقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} حسم لأطماعهم إذا كانوا حاجوا في

<<  <   >  >>