للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)}

هذا الاستدلال إنما هو استدلال بالأثر على المؤثر، وبالصنعة على الصانع، فأرشدنا تعالى للاستدلال بهذا الخلق الغريب، والبناء العجيب، وعرفنا طريق النظر، وفيما ننظر، فبدأ أولًا بذكر العالم العلوي فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ} وخلقها: إيجادها واختراعها، أو: خلقها وتركيب أجرامها، وائتلاف أجزائها، من قولهم خلق فلان حسن، أي: خلقته وشكله؛ ثم ثنى بالعالم السفلي فقال: {وَالْأَرْضِ}؛ ثم ثلث بما بينهما، فأرشدت الآية إلى النظر في عدة علوم:

أحدها: علم الهيئة الذي يبحث في العلويات، من حيث تشريحها وسير شموسها وأقمارها ونجومها وحركاتها، وما يتصل بذلك مما هو من متعلقات هذا الفن.

وثانيها: فن المواليد الثلاثة، وفن طبقات الأرض، ففي تلك الطبقات تكون المعادن بأنواعها من الجامد والسائل والمنطرق، وغير ذلك، وهذا من المواليد أحدها.

وفي قوله: {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} يشير إلى فن النبات بأنواعه، كالزراعة وخواص النبات، وما يتولد منه من الأدوية والصباغ، والفواكه والثمرات، والحبوب المغذية وغير المغذية، والبزور؛ فقد شمل فن الصيدلة إذا انضم إليه المعادن؛ وفن العطارة؛ وفنونًا أخرى لا تخفى على الناظر.

وثالثها: فن الحيوان بأجمعه، المشار إليه بقوله: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} إذ الدابة في الأصل كل ما يدب على الأرض، فتشمل سائر الحيوانات.

ورابعها: علم الأحوال الجوية، المشار إليه بقوله تعالى: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ} الآية.

فهذه الفنون، وما ينضم إليها مما هو تتمات لها، كالهندسة والحساب، المتعلقين بفن الهيئة، وما يتوصل به إلى غيرها، كلها دلائل على أنه

<<  <   >  >>