للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخرج الدارقطني، والحاكم وصححه، وابن أبي حاتم وابن جرير، عن ابن عمر، قال: "أنزلت {أينما تولوا فثم وجه الله}، أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوع".

وأخرج البخاري والبيهقي عن جابر قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أنمار يصلي على راحلته متوجهًا قبل المشرق تطوعًا"، وفي الباب عن أبي داود الطيالسي وابن ماجه، وكذا روى الإمام أحمد نحو ما تقدم.

وروى الترمذي وابن أبي شيبة في جامعه عن عامر بن ربيعة، قال: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت: {فأينما تولوا فثم وجه الله}، قال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي سنده أشعث السمان وهو يضعف في الحديث، انتهى.

فالأحاديث الأولى هي الصحيحة بما هو بمعنى ما تقدم، ومنه يعلم أن الآية مخصوصة بصلاة النافلة، وليست بمنسوخة، وفي معنى النافلة ما إذا جهلت القبلة ولم يعلم مكانها وصلى المصلي بالاجتهاد، فالآية جاءت مجيء العموم، والمراد الخاص، وذلك أن قوله: {فأينما تولوا فثم وجه الله}، يحتمل: أينما {تولوا} في حال سيركم في أسفاركم في صلاة التطوع، وفي حال محاربتكم عدوكم في تطوعكم ومكتوبتكم، {فثم وجه الله}، ويحتمل: {فأينما تولوا} من أرض الله، فتكونوا بها، {فثم} قبلة {الله} التي توجهون وجوهكم إليها، لأن الكعبة ممكن لكم التوجه إليها منها، ويحتمل: {فأينما تولوا} وجوهكم في دعائكم فهنالك وجهي استجيب لكم دعاءكم، لكن هذا الاحتمال الأخير بعيد عن معنى الآية، إذ لا إشارة إلى الدعاء هنا.

فقوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب} معناه: بلاد المشرق والمغرب، والأرض كلها لله هو مالكها ومتوليها، وذلك لما كان المشرق موضع الشروق وهو مطلع الأنوار، والمغرب هو موضع أُفولها، وكان هذان الأفقان مدارًا لجميع الكواكب، عبر بهما عن جميع الجهات لتحول الأفلاك حال الدوران إلى كل منها،

<<  <   >  >>