للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الغريب أيضًا: ما ذكره في "الدر المنثور" وغيره عن قتادة والسدي أنهما قالًا: ليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفًا، وهذا مردود، لأن بيت المقدس بقي أكثر من مئة سنة في أيدي النصارى بحيث لم يتمكن أحد من المسلمين من الدخول فيه إلا خائفًا، إلى أن استخلصه الملك "صلاح الدين يوسف بن أيوب" كما هو مذكور في تاريخه وغيره.

وقال بعض المعاصرين لنا من المصريين في تفسير له {أولئك ما كان لهم} الآية، خبر بمعنى الأمر أي: أذلوهم بالجهاد، فلا يدخلها منهم أحد إلا خائفًا، انتهى.

وهو معنى حسن، وأشار إليه "الرازي"، وعليه يؤخذ من الآية النهي عن تمكين الكفار، والتخلية بينهم وبين المساجد.

وتدل الآية على تحريم ما يفعله بعض الناس من الحيل لاختلاس أوقاف المساجد والمدارس، وجعلها دورًا وحوانيت وخانات، ويدعون أنهم فعلوا ذلك بوجه شرعي، وينسبون جواز ذلك لمذهب إمام المحدثين والفقهاء أحمد بن محمد ابن حنبل، رضي الله عنه، ومذهبه بريء من تلك الضلالات، وإنما ذلك افتراء عليه من المفتين والقضاة على مذهبه، وهذه كتب مذهبه الصحيحة، فمن ادعى صحة ذلك فليحاكمنا إليها ولكن {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)} [النور: ٤٠].

ويدل قوله تعالى: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} أن الكافر لا يحل له دخول المسجد، لكن عندي في هذه الدلالة نظر، لأن أول الآية يخص من {منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وسعى في خرابها} فيجب أن يخص تحريم الدخول بمن كانت هذه صفته مطلقًا، سواء كان كافرًا أو غير كافر، وعليه فمن اغتصب مسجدًا أو مسجد مدرسة، وجعله دارًا أو غيرها، أو تحيل لاغتصاب وقف مسجد بأي حيلة كانت، لا يجوز له دخول ذلك، ويمنع منه وإن نزع الحاكم ذلك من يده وأعاده لأصله كان قد فعل قربة إلى الله تعالى.

<<  <   >  >>