للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيخلق بقدرته من الأسباب ما يصير الشيء في وقتٍ مصلحةً، وفي وقت مفسدة، لحكم ومصالح دبرها لتصرم هذا العالم وتقضي هذا الكون بشمول علمه بكل ما تقدم وما تأخر، ولو أراد لجعل الأمر على سنن واحدة، والناس على قلب رجل واحد، ولكنه مالك الملك يتصرف فيه على حسب ما يريد لا رادّ لأمره، ولا مُعقب لحكمه، ولا يسوغ الاعتراض عليه بوجه.

ثم أتبع ذلك بما هو كالدليل على شمول القدرة، فقال:

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١٠٧)}.

أي: {ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض}، يفعل في ذواتهما وأحوالهما ما يشاء، فهو يملك أموركم ويدبرها ويجريها على حسب ما يصلحكم، وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ ومنسوخ، فقوله: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (١) إشارة إلى تفصيل الآيات، وهو بما {له ملك السماوات والأرض} يدبر الأمر.

ولما أتم سبحانه ما أراد من إظهار قدرته وسعة ملكه، تهيأت قلوب السامعين وصفت، فلفت الخطاب إليهم ترهيبًا في إشارة إلى ترغيب، فقال: {وما لكم من دون الله من ولي} يتولى أموركم {ولا نصير} فأقبلوا بجميع قلوبكم إليه، ولا تلتفتوا عنه، وفي ذلك تعريض بالتحذير للذين آمنوا ولم يبلغوا درجة المؤمنين، من مخالفة أمره إذا حكم عليهم بما أراد كائنًا ما كان، لئلا تلقن بواطنهم عن اليهود، نحوًا مما لقنت ظواهر ألسنتهم بأن تستمسك بسابق فرقانها، فتتثاقل عن قبول لاحقه ومكمله، فيكون ذلك تبعًا لكثرة أهل الكتاب في إبائها نسخ ما لحقه التغيير من أحكام في كتابها، وهو في الحقيقة خطاب جامع لتفصيل ما يرد من النسخ في تفاصيل الأحكام والأحوال.


(١) سورة المائدة: الآية ١٢٠، وعبارة البقاعي: فهو بما هو {على كل شيء قدير} يفصل الآيات. وهو المناسب لسياق الآيات؛ لعودها على الآية السابقة.

<<  <   >  >>