للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتفرقوا شيعًا، ويتحزبوا أحزابًا و {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: ٣٢]، يطعن كل حزب في الآخر، ويؤول القرآن على مقتضى رأيه انتصارًا لمقالته، فتكفر كل طائفة منهم الأخرى، أو تفسقها، أو تبدعها، وما الحق، إلا ما جاء به صريح القرآن الكريم، ونطق به الصادق الأمين، وقد ورد افتراق هذه الأمة إلى اثنتين وسبعين فرقة، كما افترق أهل الكتاب على ذلك من قبل، وبين أن الفرقة الناجية، هي فرقة الجماعة الناجية، هي على ما كان عليه السلف، وإن كانت رجلًا واحدًا كما روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه (١)، وقد أوضحنا ذلك في كتاب "الأجوبة النجدية"، وسيمر بك كثير من هذا في هذا الكتاب.

ولما اشترك جميع هذه الفرق في الظلم، وزاد الجهلة منع حزب الله من عمارة المسجد الحرام، بما يرضيه من القول والفعل، فازدادوا بذلك ظلمًا آخر، وكان من منع مسجدًا واحدًا- لكونه مسجدًا- مانعًا لجميع المساجد، قال:

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية، فقيل: إنها نزلت في "نطوس ابن إسبسيانوس" الرومي الذي خرب بيت المقدس، ولم يزل خرابًا إلى أن عُمّر في زمن عمر بن الخطاب، وقيل: نزلت في الروم الذين أعانوا "بخنتصر" على تخريب بيت المقدس، حين قتلت بنو إسرائيل يحيى بن زكريا، وقيل: نزلت في بختنصر ذاته، واختار ابن جرير أنها نزلت في النصارى، وذلك أنهم هم الذين سعوا في خراب بيت المقدس.


(١) رواه ابن عساكر بسند صحيح كما في التعليق على "مشكاة المصابيح" عند الرقم (١٧٣). طبع المكتب الإسلامي.

<<  <   >  >>