للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وعملوا الصالحات}، أطاعوا الله فأقاموا حدوده، وأدوا فرائضه، واجتنبوا محارمه، فبينوا أن قلوبهم مطمئنة بالإيمان، {أولئك} الذين علت مراتبهم وشرفت مناقبهم {أصحاب الجنَّة هم فيها خالدون}، مقيمون فيها أبدًا، وترك الفاء من {أولئك} هنا ليدل على أن سبب سعادتهم إنَّما هو الرحمة المفاضة عليهم منه تعالى، لا بسبب أعمالهم.

ثم شرع سبحانه يقيم الدليل على أن اليهود ممن أحاطت به خطيئته فقال:

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣)}.

فقوله تعالى {وإذ أخذنا}، معناه: اذكروا ما تعلمون في كتابكم مِن حال من أصاب سيئة محيطة، واذكروا إذ أخذنا ميثاقكم، فالمقام هنا مقام إضمار، ولكنّه أظهر لطول الفصل بذكر وصف يعمهم وعيرهم، فقال: {ميثاق بني إسرائيل}، وهذا على تقدير حذف ما تعلقت به {إذ}، ويجوز أن يكون معطوفًا على {نعمتي} في قوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٤٠ - ٤٧] لأنَّ الكل في مخاطبتهم وبيان أمورهم.

ولما كان الدين، إنَّما هو الأدب بين الخالق والخلق، ذكر المعاهد عليه من ذلك مرتبًا له على الحق فالأحق، فقال: ذاكرًا له بصيغة الخبر، مريدًا به النَّهي والأمر، وهو أبلغ من صريح الأمر والنهي, لأنَّه كأنه سورع إلى الامتثال والانتهاء، فهو يخبر عنه ودل على إرادة ذلك بعطف: {وقولوا للناس حسنًا} عليه، و {الميثاق} وزنه مفعال، مأخوذٌ من التوثق باليمين ونحوها من الأمور التي تؤكد القول، فكأنه تعالى يقول: إنَّه ما من شريعة، إلَّا وقد [أخذنا] على أهلها الميثاق بأن لا يعبدوا إلَّا الله المنعم الحقيقي الذي له الأمر كله، وأنتم معشر بني إسرائيل، قد أخذ عليكم هذا الميثاق بذاته، فلم نقضتم الميثاق وغيرتم وبدلتم وعبدتم الأشخاص؟

<<  <   >  >>