إلى الوفاء بالعهد، وإشارة إلى أنهم إن شكروا أبقى رفعتهم، كما أدام رفعته، كان ظلموا لم تنلهم دعوته، فضربت عليهم الذلة وما معها، ولا يجزي أحد عنهم شيئًا، ولا هم ينصرون.
واختلف المفسرون في معنى العهد، فقيل: النبوة، وقيل: الإمامة، وقيل: الأمان، والصواب أنه: النبوة والإمامة في الدين. وقوله تعالى:{لا ينال عهدي الظالمين} هو من الجواب الذي يزيد على السؤال، لأن إبراهيم طلب من الله وسأل: أن يجعل من ذريته إمامًا، فأجابه إلى أنه لا ينال عهده الظالمين، ودل بمفهوم الصفة على أنه ينال عهده من ليس بظالم، وكان ذلك دليلًا على انقسام ذريته إلى ظالم وغير ظالم، وحيث فسرنا الإمامة بالنبوة، استغنينا عن تقليد المفسرين هنا بما أطالوه به من شروط الإمامة، التي هي الإمارة، وإطالتهم في ذلك حتى كادوا يذكرون شروط الإمام في الصلاة.
ولما كان من إمامة إبراهيم عليه السلام، اتباع الناس له في حج البيت الذي شرفه الله، ببنائه قال إثر ذلك ناعيًا على أهل الكتاب مخالفته، وترك دينه، وموطئًا لأمر القبلة:
بيّن تعالى في الآية التي قبل هذه، كيفية حال إبراهيم حين كلفه بالإمامة، ثم شرح هنا التكليف الثاني، وهو التكليف بتطهير البيت، والبيت هنا التكليف الثاني، وهو التكليف بتطهير البيت، و {البيت} هنا الكعبة والحرم كله، ولكن لما كانت حرمة الحرم كله معلقة بالبيت، جاز أن يعبر عنه باسم البيت، ونظيره:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة: ٩٥] فإن المراد الحرم كله لا الكعبة نفسها، لأنه لا يذبح في الكعبة ولا في المسجد الحرام.
والمعنى:{وإذ جعلنا البيت}، أي: الحرم {مثابة للناس}، و "جعل"