للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صح ذلك عنه، علم أن الذي عنى به من معاني المباشرة، البعض دون الجميع. قال: فلما كان الجماع محرمًا على المعتكف، كان كل ما قام مقامه في الالتذاذ من المباشرة، انتهى.

أي: فيكون تحريمها شاملًا، وما قاله هو الذي تميل إليه النفس، وتركن إليه.

وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} يشير إلى أنه يصح الاعتكاف في كل مسجد، وهو قول أبي قِلابة، وابن عيينة، والشافعي، وداود، والطبري، وابن المنذر، وأحد قولي مالك.

وبعضهم نظر إلى أن الجمعة واجبة على المعتكف، فقال: "لا اعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه". وهذا القيد لم يجئ من الآية، وإنما جاء من أمر خارج، وهو قول عبد الله، وعائشة، وإبراهيم، وابن جبير، وعروة، وقال في "المقنع" الحنبلي: ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه، إلا المرأة، لها الاعتكاف في كل مسجد، إلا مسجد بيتها.

وقال الشربيني الشافعي، في تفسيره: دلت الآية على أن الاعتكاف يكون في المسجد لا في غيره. انتهى.

وهذه الدلالة غير مسلمة، لأن النهي عن الشيء مقيدًا بحال لها متعلق، لا يدل على أن تلك الحال إذا وقعت من المنهيين، يكون ذلك المتعلق شرطًا في وقوعها؛ ونظير ذلك إذا قلت: لا تضرب زيدًا وأنت راكب فرسًا، فلا يلزم من هذا أنك متى ركبت فلا يكون ركوبك إلا فرسًا، فتبين من هذا أن الاستدلال بهذه الآية، على اشتراط المسجد في الاعتكاف ضعيف.

نعم: إن الآية تومئ إلى أنه لا يشترط الصوم في الاعتكاف، وذلك لأن الله منع المعتكف من مباشرة المرأة، ولو كان اعتكافه باطلًا، لما كان ممنوعًا ترك العمل بظاهر هذا اللفظ إذا ترك النية، فيبقى فيما عداه على الأصل، وأيضًا لو كان الاعتكاف لا يجوز إلا مقارنًا بالصوم، لخرج الصائم بالليل عن الاعتكاف،

<<  <   >  >>