من الآيات، وانقطاع قصصهم بقصة مستأنفة غيرهما، وقيل: الضمير عائد على {مِنْ} في قوله تعالى: {مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} وهم مشركو العرب، وقد علمت بُعده. وقيل: الآية مستأنفة، والكناية في {لَهُمْ}، تعود إلى غير مذكور، واستدل قائل هذا بما رواه الطبري عن ابن عباس: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام، ورغبهم فيه، وحذرهم عقاب الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة، وخالد بن عوف:{بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} فإنهم كانوا أعلم وخيرًا منا، فأنزل لنا الله هذه الآية، ردًا عليهم.
والمعنى: أنه إذا قيل لهؤلاء الكفار: {كُلُوا مِمَّا} أحل الله لكم، ودعوا {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} وطريقه، واعملوا بما أنزل الله على نبيه في كتابه، استكبروا عن الإذعان للحق، وقالوا:{بَلْ} نأتم بآبائنا، فـ {نَتَّبِعُ مَا} وجدناهم عليه، من تحليل ما كانوا يحلون، وتحريم ما كانوا يحرمون. فقال تعالى:{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} - يعني: آباء هؤلاء الكفار الذين مضوا على كفرهم بالله العظيم- {لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا} من دين الله وفرائضه، وأمره ونهيه فيُتبعون على ما سلكوا من الطريق، ويؤتم بهم في أفعالهم، {لَا يَهْتَدُونَ} لرشد فيهتدي بهم غيرهم، ويهتدي بهم من طلب الدين، وأراد الحق والصواب.
يقول الله لهؤلاء الكفار: فكيف أيها الناس تتبعون ما وجدتم عليه آباؤكم، فتتركون ما يأمركم به ربكم، وآباءكم لا يعقلون من أمر الله شيئًا، ولا هم مصيبون حقًا، ولا مدركون رشدًا؟ وإنما يتبع المتبع ذا المعرفة بالشيء، المستعمل له في نفسه، فأما الجاهل فلا يتبعه فيما هو به جاهل، إلا من لا عقل له ولا تمييز.
والواو في قوله:{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} للحال، والهمزة بمعنى الرد والتعجب؛ و {أَلْفَيْنَا} بمعنى وجدنا، بدليل قوله:{بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}[لقمان: ٢١] وهذه الآية صريحة في ذم التقليد، صراحة لا تقبل التأويل ولا الصرف عن ظاهرها.
وقد حكى ابن عطية: أن الاجماع منعقد على إبطاله في العقائد (١).
(١) أي إبطال التقليد في العقيدة. وعلى هذا المستقر من كتب الاعتقاد الصحيحة، ولا يستثنى من ذلك إلا الجاهل في بعض التفاصيل.