للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من المؤمنين عند الله. وقال المتكلمون: المراد منَّ {الذين آمنوا} هم: المؤمنون بمحمد - صلى الله عليه وسلم - في الحقيقة، وهو عائد إلى الماضي، ثم قوله: {من آمن بالله} يقتضي المستقبل، فالمراد الذين آمنوا في الماضي وثبتوا على ذلك واستمروا عليه في المستقبل، انتهى.

والذي أراه الصواب من القول في هذه الجملة [من الآية]: أن المراد من {الذين آمنوا}، من آمن مطلقًا، سواء كان الإيمان ظاهرًا وباطنًا، أم ظاهرًا فقط، ثم إنَّه تعالى فصل في آخر هذه الآية، فأخبر أن من آمن منهم إيمانًا حقيقيًا، له أجر إيمانه عند ربهم، ومن لا، فلا، ويشهد لهذا التأويل قوله: {منهم} الدّالة على التبعيض، وهذا التأويل يضم إليه جميع الأقوال التي مضت عن المفسرين. و {الذين هادوا} معناه: تهودوا، يقال: هاد يهود وتهود، إذا دخل في اليهودية، وهو هائد والجمع هود. والنصارى قيل: سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح، وقيل نسبة إلى قرية الناصرة. وأمَّا الصابئون فإن هذا اللفظ مأخوذٌ من صبأ، إذ خرج من الدين، والسياق يقتضي أن يكون المراد من الصابئين، كل أمة لم تتقيد بدين اليهود، أو النصارى أو المسلمين، سواء كانت من المجوس، أو من عباد الأوثان والملائكة والجن، أم من غيرهم.

وقد روى ابن جرير عن مجاهد أنَّه قال: الصابئون ليسوا يهودًا ولا نصارى، ولا دين لهم. وفي "الملل والنحل" للشهرستاني يقال: صبا الرجل إذا مال وزاغ، فبحكم ميل هؤلاء عن سنن الحق، وزيغهم عن نهج الأنبياء، قيل لهم: الصابئة، وقد يقال: صبا الرجل إذا عشق وهوى، وهم يقولون: الصبوة هي الانحلال عن قيد الرجال، ومدار مذهبهم على التعصب للروحانيين، انتهى.

إذا عرفت ذلك علمت أن قبسًا من هذا المذهب، سار بين أصناف البشر، فكثير منهم من يتعصب للأرواح، سواء كانت مفارقة لأجسادها، أو هي روح صرفة، فهؤلاء المذكورون في هذه الآية {من آمن} منهم، أي: داوم على الإيمان، إن كان مؤمنًا حقًا، أو جمع إلى الإيمان بلسانه الإيمان بقلبه، أو دخل في الإيمان إن كان كافرًا، وكان إيمانه {بالله واليوم الآخر}،

<<  <   >  >>