الكلمة، لتخلص البلاد التي يستولي عليها الأعداء من أيديهم، بمعونة أهل الإيمان بعضهم لبعض، فيكون البيت هو سبب أمنهم، لأنهم ما داموا بيد الأعداء كانوا في خوف، فإذا خلصوا كانوا في أمن.
فانظر إلى هذه الحكمة التي أشار إليها تعالى في هذه الآية، وقل: هنيئًا لمن يفقهها ويسلك مسالكها، ويؤدي ذلك الواجب الذي أوجبه تعالى عليه.
وأما منافع الدين، فلأن من قصد البيت رغبة منه في النسك والتقرب إلى الله، وإظهار العبودية، استحق بذلك ثوابًا عظيمًا، وهو المثوبة على فعله.
ولما كان التقدير: فثاب الناس إليه ائتمامًا ببانيه، وآمنوا بدعوته فيه، عطف عليه قوله:{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} أخرج البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارقطني والدارمي، عن أنس قال: قال عمر بن الخطاب: "وافقت ربي في ثلاثة" أو: وافقني ربي في ثلاث: قلت؛ يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت:{واتخدوا من مقام إبراهيم مصلى} وقلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول الله نساؤه في الغيرة، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن فنزلت كذلك.
وروى الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، عن أنس أن عمر قال: يا رسول الله، لو صلينا خلف المقام، فنزلت:{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}. فقوله تعالى:{واتخذوا} على إرادة القول، أي وقلنا: اتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه، وهو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب، وهذا على قراءة كسر الخاء، وهي قراءة ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، والجمهور. وقرأ نافع وابن عامر بفتحها، جعلوه فعلًا ماضيًا فيكون المعنى كما ذكرناه آنفًا، فثاب الناس إليه فاتخذوا، ومقام إبراهيم هو المقام المعروف بهذا