للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إسرائيل شعبك الذي خلصت، ولا تؤاخذ شعبك بالدم الزكي، ويغفر لهم على الدم، وأنتم فافحصوا عن الدم، واقضوا بالحق، وأبعدوا عنكم الإثم، واعملوا الحسنات بين يدي الله ربكم، انتهى.

وهو كما ترى يشبه أن يكون فرع الأصل المذكور في القرآن العظيم، والذي تشير إليه في هذه القصة ما حكي عن ابن عباس، ونسبه الرَّازي إلى سائر المفسرين: أن رجلًا في بني إسرائيل قتل رجلًا، فاتصل خبره بموسى عليه السَّلام، فاجتهد في أن يعرف القاتل، فلم يظهر له، فقال له بنو إسرائيل: سل ربك حتَّى يبينه، فسأل ربه، فكان من أمره ما قصه الله علينا، وهو قوله {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} لتعرفوا بها أمر القتيل الذي أعياكم أمره، والتاء في {بقرة} ليست للتأنيث الحقيقي، بل هي التاء الدّالة على وحدة الجنس، فتقع على الذكر والأنثى.

ولما كان من حقهم المبادرة إلى الامتثال، والشكر على أن أجاب الله سؤالهم ولكنهم لم يفعلوا، بيّن فظاظتهم على طريق الاستئناف معظمًا لها، بقوله حكاية عنهم: {قالوا أتتخذنا هزوًا}، أتجعلنا مكان هزؤ، أو أهل هزؤ، والهزؤ اللعب والسخرية، يقولون لموسى: إنك سخرت ولعبت بنا، ولا ينبغي أن يكون من أنبياء الله فيما أخبرت عن الله من أمر ونهي، هزؤ أو لعب. فطنوا بموسى أنَّه في أمره إياهم من أمر الله تعالى بذبح البقرة عند تدارئهم في القتيل إليه، أنَّه هازئ لاعب، ولم يكن لهم أن يظنوا ذلك بنبي الله، وهو يخبرهم أن الله هو الذي أمرهم بذبح البقرة، وحذفت الفاء من قوله {أتتخذنا هزوًا}، وهو جواب، لاستغناء ما قبله من الكلام عنه.

{قال أعوذ بالله} أي: اعتصم بالله من {أن أكون من الجاهلين}، لأنَّ الهزؤ في مثل هذا من باب الجهل والسفه.

{قالوا} تماديًا في الغلظة: {ادع لنا ربك}، وهذا منهم في غاية الجفاء، حيث خصصوا موسى بالإضافة إلى الرب، ولم يقولوا: ربنا {يبين} أي: يبالغ

<<  <   >  >>