للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم" (١)، لكنه لما قال تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: ٦] صار لفظ الفيء إذا أطلق في عرف الفقهاء، يكون لما أخذ من مال الكفار بغير إيجاف خيل ولا ركاب، والإيجاف: نوع من التحريك. انتهى كلامه.

وقال في "مفاتيح الغيب": قوله {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} يتناول جميع المذاهب الفاسدة، بل يتناول مقلد الحق، لأنه وإن كان مقلدًا للحق، لكنه قال ما لا يعلمه، فصار مستحقًا للذم لاندراجه تحت الذم في هذه الآية. قال: وتمسك نفاة القياس بهذه الآية. وأجيب عنه: بأنه متى قامت الدلالة على أن العمل بالقياس واجب. كان العمل بالقياس قولًا على الله بما يعلم، لا بما لا يعلم. هذا كلامه.

وكفى بذلك المقلدون ذمًا، ومهما دافعوا عن أنفسهم، فالآية تبكتهم، وتجعل مدعاهم هباءً منثورًا، ويناديهم القرآن بما نادى به من قبلهم، بقوله:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٧٠)}.

ضمير {لَهُمُ} عائد على {النَّاسُ} المذكورين في الآية السابقة، على ما اختاره صاحب "الكشاف" فقال: الضمير للناس، وعدل بالخطاب عنهم، على طريقة الالتفات للنداء على ضلالهم، لأنه لا ضال أضل من المقلد، كأنه يقول للعقلاء: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يقولون. انتهى.

وهذا الوجه أصح [من] الأوجه الآتية، وفيه دلالة على ذم التقليد، وهو قبول الشيء بلا دليل ولا حجة، وإنما كان هذا الوجه أصح وأولى، لأنه إنما وقع عقب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} الآية، فَلأَنْ يكون خبرًا عنهم، أولى من أن يكون خبرًا عن الذين أخبر أن منهم {مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا}، مع ما بينهما


(١) ينظر عنه "الإرواء" (١٢٤٠).

<<  <   >  >>