للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمبغض له، فإنه قال: {من كان عدوًا لجبريل} فإنه لا يضر إلَّا نفسه، لأنَّه لا يبلغ ضره بوجه من الوجوه، ولعداوته، بعداوته له، لله الَّذي خصه بقربه، واختاره لرسالته، فكفر حينئذٍ هذا المعادي له بجميع كتب الله ورسله وجبريل انتهى.

ثم إنه تعالى علل ذلك بالخبر المحذوف بقوله: {فإنه نزله}، أي: فإن جبريل نزل القرآن {على قلبك} وذلك هو الكتاب الَّذي كفر به اليهود لحسدهم للذي أنزل عليه بعدما كانوا يستفتحون به، الآتي بما ينفعهم، الداعي إلى ما يصلحهم، فيرفعهم، فالضمير في قوله: {فإنه نزله} يعود إلى القرآن، والثاني إلى جبريل، وإنما أرجع الضمير إلى القرآن، ولم يسبق له ذكر، ليبين فخامة شأن صاحبه، حيث يجعل لفرط شهرته كأنه يدل على نفسه، ويكتفي عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته. وما جنحنا إليه أولًا من أن جواب قوله تعالى: {من كان عدوًا لجبريل} محذوف، هو ما ذهب إليه "أبو حيان" في "البحر" وتبعه غيره، وجعل في "الكشاف" الجواب قوله: {فإنه نزله} وجعل فيه وجهين:

أحدهما: إن عادى جبريل أحد من أهل الكتاب، فلا وجه لمعاداته حين نزل كتابًا مصدقًا للكتب بين يديه، فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه لأنَّ في إنزاله ما ينفعهم، ويصحح المنزل عليهم.

والثاني: إن عاداه أحد، فالسبب في عداوته أنَّه نزل عليك القرآن مصدقًا لكتابهم وموافقًا له، وهم كارهون للقرآن ولموافقته لكتابهم، ولذلك كانوا يحرفونه ويجحدون موافقته له، كقولك: إن عاداك فلان فقد آذيته وأسأت إليه، انتهى.

فيكون دخول الفاء في الجزاء على هذا الوجه مستحقًا لسببين: أحدهما: أنَّه جملة اسمية، والآخر: أنَّه ماضٍ صحيح، ورده أبو حيان بأنه تقرر في علم العربية أن اسم الشرط لا بد أن يكون في الجواب ضمير يعود عليه، فلو قلت: من يكرمني، فزيد قائم لم يجز، وقوله: {فإنه نزله على قلبك}، ليس فيه ضمير يعود على {من}. وأيضًا: فإن فعل التنزيل ماضٍ فلا يصح أن تكون الجملة جزاءً. قوله تعالى: {فإنه نزله على قلبك}، معناه: حفظك إياه وفهمكه بإذن الله وتيسيره وتسهيله، وإنما قال: {على قلبك} وهو يعني بذلك قلب محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنَّ من

<<  <   >  >>