للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقاصده، فنذكر أولًا ما يفهم من تركيب ألفاظها، ثم نتبعه باستنباط الأحكام منها.

فنقول: أصل النسخ في اللغة: إزالة الشيء بغير بدل يعقبه، نحو نسخت الشمسُ الظِّل، ونسختِ الريحُ الأثرَ. أو نقل الشيء من غير إزالة، نحو نسختُ الكتابَ، إذا نقلته ما فيه إلى مكان آخر. والنسيئة التأخير. والمعنى {ما ننسخ من آية} أي: نُزِلْها بإبدال أخرى مكانها، "أو نَنْسَأها" على قراءة الهمز، أي: نؤخرها ونذهبها لا إلى بدل، {أو ننسها} نذهب بحفظها عن القلوب.

والمعنى: أن كل آية يُذهب بها على ما توجبه المصلحة من إزالة لفظها وحكمها معًا، أو من إزالة أحدهما إلى بدله، أو غير بدل. {نأت بـ} آية {خير منها} للعباد، أي: بآية العمل بها أكثر للثواب، {أو مثلها} في ذلك، فـ {من} في قوله تعالى: {من آية} للتبعيض، والمعنى: أي شيء من الآيات، وهذا النسخ عام، لما كان من شرع ما قبلنا، كنسخ استقبال بيت المقدس أو غيره، أو لم يكن. وصيغة "ننسخ" التي بوزن نفعل، تشعر بأن من تقدم ربما نسخ عنهم ما لم يعوضوا به مثلًا، ولا خيرًا، ففي طيه ترغيب للذين آمنوا بكتابهم الخاص بهم، وأن يكون لهم عند النسخ حسن قبول، فرحًا بجديد أول اغتباطًا بما هو خير من المنسوخ، ليكون حالهم عند تناسخ مقابل لحال الآبين من قبوله المستمسكين بالسابق، المتقاصرين عن خير لاحق وجدَّتِهِ.

والأصحّ في تفسير قوله تعالى: {أو ننسها}: أن المعنى على قراءة "أو ننسأها" بالهمز، نؤخر نسخها، وعلى قراءة "أو ننسها" نتركها زمنًا ثم ننسخها، كالقبلة، {نأت بخير منها أو مثلها}، ولما كانت الآية في بيان أغلاط اليهود، وأنهم هم الذين أنكروا النسخ عنادًا، أعرض تعالى عن خطابهم تعريضًا بغباوتهم، إلى خطاب نبيه الَّذي هو أعلم الخلق، بقوله: {ألم تعلم أن الله} الحائز لجميع أوصاف الكمال {على كل شيء قدير} فأتى بالكلام على وجه الاستفهام المتضمن، لأجل قصد اليهودية للإنكار، والتقرير المشار فيه للتوعد والتهديد،

<<  <   >  >>