للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ببدع من طريقة القرآن، وأنت مضطر إلى تخصيصه ولا بد، بأنواع من التخصيصات:

أحدها: أن كثيرًا من ثمار الجنة، وهي التي لا نظير لها في الدنيا، لا يقال فيها ذلك.

الثاني: أن كثيرًا من أهلها، لم يرزقوا جميع ثمرات الدنيا التي لها نظير في الجنة.

الثالث: أنه من المعلوم أنهم لا يستمرون على هذا القول أبد الآباد، كلما أكلوا ثمرة واحدة قالوا: هذا الذي رزقنا في الدنيا، ويستمرون على هذا الكلام دائمًا إلى غير نهاية، والقرآن العظيم لم يقصد إلى هذا المعنى، ولا هو مما يعتني بهم من نعيمهم ولذتهم، وإنما هو كلام مبين خارج عن المعتاد المفهوم من الطيب، ومعناه: أنه يشبه بعضه بعضًا، ليس أوله خيرًا من آخره، ولا هو مما يفرض له ما يفرض لثمار الدنيا عند تقادم الشجر وكبرها، من نقصان حملها وصغر ثمرها، وغير ذلك. بل أوله مثل آخره وآخره مثل أوله، وهو خيار كله، يشبه بعضه بعضًا، فهذا وجه قولهم، ولا يلزم مخالفة ما نصه الله سبحانه وتعالى، ولا نسبة أهل الجنة إلى الكذب بوجه، والذي يلزمهم من التخصيص، يلزم على ما قاله ابن جرير نظيره وأكثر منه.

وأما قوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}، فالضمير عائد إلى الرزق المفهوم من {رُزِقُوا}، وقال الحسن البصري في معنى التشابه: خيار كلها لا رذل (١) فيها، وقال أيضًا: ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه، وإن ذلك ليس فيه رذل، وقال قتادة: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}، أي: خيارًا لا رذل فيه، وإن ثمار الدنيا ينقّى منها ويرذل منها، وثمار الجنة خيار كله لا يرذل منها شيء. وعلى هذا فالمراد بالتشابه، التوافق والتماثل.


(١) الرذل: هو الرديء من كل شيء.

<<  <   >  >>