للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل: نعم، فإن قال: فإن هو فَرّط في ذلك، فلم يوص لهم، أيكون مضيعًا فرضًا يحرج بتضييعه؟

قيل: نعم، فإن قال: فما الدلالة على ذلك؟ قيل: قول الله تعالى ذكره: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية. فأعلمه أنه قد كتبه علينا وفرضه، كما قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] ولا خلاف بين الجميع: أن تارك الصيام وهو عليه قادر، مضيع بتركه فرضًا عليه، فكذلك هو بترك الوصية لوالديه وأقربيه، وله ما يوصي لهم فيه، مضيع فرض الله عَزَّ وَجَلَّ. انتهى.

وسبب نزول هذه الآية، كما قال الأصم: أنهم كانوا يوصون للأبعدين طلبًا للفخر والشرف، ويتركون الأقارب في الفقر والمسكنة. فأوجب الله تعالى في أول الإِسلام الوصية لهؤلاء، منعًا للقوم عما كانوا اعتادوه، وهذا بيّن.

واعلم أن للفقهاء مسلكين في هذه الآية:

المسلك الأول: أنها منسوخة في حق من يرث، واستدل القائلون بذلك بما أخرجه البخاري في صحيحه, عن ابن عباس، قال: "كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع".

وبحديث عمرو بن خارجة قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم -، خطب على ناقته وأنا تحت جِرَانها، وهي تقصع بجرمها، وإن لعابها يسيل بين كتفي، فسمعته يقول:

"إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث" (١).

الحديث رواه الترمذي من طريق شهر بن حوشب، ثم قال: وسمعت أحمد بن الحسن يقول: قال أحمد بن حنبل: لا أبالي بحديث شهر بن حوشب.


(١) هو في "صحيح الجامع الصغير" ١٧٢٠.

<<  <   >  >>