للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَكُلَا مِنْهَا}، كافيًا في ذلك، وكان التصريح بالرغد الذي هو من أجل النعم، عظيم الموقع، فقال تعالى: {رَغَدًا}، وهو وصف لمصدر محذوف، وتقديره أكلًا رغدًا، أي واسعًا رافهًا طيبًا هنيئًا، {حَيْثُ} أي مكان من الجنة {شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} بالأكل منها، فإنكما إن قربتماها لتأكلا منها، "تكونا" {مِنَ الظَّالِمِينَ}، الواضعين الشيء في غير محله، كمن يمشي في الظلام. ويدل قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}، على أنه لا بد من خروجهما منها، لأن المخلد لا يناسب أن يكون معرضًا للخطر، بأن يمتنع عليه فعل شيء، أو يؤمر بشيء، أو ينهى عنه، فلما كان الأمر بالسكنى مقرونًا بالنهي دلّ على أنها لا تدوم.

هذا وقد اختلف المفسرون في تعيين الشجرة، فمن قائل أنها شجرة البر، وقيل: هي الكرمة، وقيل: هي التينة، والصحيح أنه لم يرد تعيينها في أثر يعول عليه، ولا ورد تعيينها في الكتاب العزيز، ولا داعي لبيان نوعها لأن سياق القصة لبيان شؤم المخالفة، هذا ورأيت في ترجمة التوراة بعد ذكر خلق السماوات والأرض، ما صورته: أراد الله أن يخلق خلقًا يتسلط على حيتان البحر، وطير السماء، وعلى الدواب وجميع السباع، وعلى الحشرة التي تدب على الأرض فخلق آدم بصورته ذكرًا وأنثى، وبارك عليهما، وقال: انميا واكثرا، وتسلطا على حيتان البحر، وطير السماء (١)، والدواب، وجميع السباع، إلى آخر ما فيها مما يشمله كله قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] الآية.

وأما قوله: على صورته فالضمير فيه راجع لآدم، ومعناه: أنه من بدء خلقه يظهر صورته التي كان عليها، فلم يكن كغيره من ذريته طفلًا، ثم كبر بالتدريج هذا ما يفهم من الترجمة التي ألمعنا إليها، وأما ترجمة التوراة الموجودة الآن في أيدي البروتستانت، فإن بها أشياء تخالف ترجمة التوراة القديمة، وفي هذه الترجمة أن


(١) في الأصل: الماء، وهو تصحيف، وسببه ما قدمنا عن خط المؤلف- رحمه الله-، وعلى الأخص بعد إصابته بالشلل، وهو كثير ولم أشر إلى كل ذلك.

<<  <   >  >>