الجعل العجيب الذي فيه اختصاصكم بالهداية, لأنه قال:{يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، فلا تقع الهداية إلا لمن شاء الله.
ويصح أن يكون المعنى: كما خصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته، بذلك على من سواكم من أهل الملل، وكذلك خصصانكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان، بأن {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، والـ {أُمَّةً} هي القرن من الناس، والصنف منهم ومن غيرهم، و "الوسط" العدل.
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي والحاكم، وصححه عن أبي سعيد الخدري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}: {عَدْلًا}(١). ورواه ابن جرير عن أبي هريرة؛ ورواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي، عن أبي سعيد مرفوعًا في حديث طويل، ورواه سعيد بن منصور، وابن ماجه والبيهقي في كتابه "البعث والنشور". وحيث صح هذا التفسير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يعدل عنه إلى غيره.
واحتج جمهور المعتزلة بهذه الآية، على أن إجماع الأمة حجة، قالوا: أخبر الله عن عدالة هذه الأمة وعن خيرتهم، فلو أقدموا على شيء وجب أن يكون قولهم حجة، والكلام على هذه المسألة مستوفى في فن أصول الفقه، وسمي العدل وسطًا لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين؛ والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين.
وقوله تعالى:{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} الآية، معناه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً} عدولًا {شُهَدَاءَ} لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ، أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها، {وَيَكُونَ} رسولي محمدًا {شَهِيدًا} عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي، ويدل لهذا ما أخرجه الإمام أحمد،
(١) كان في الأصل - وكذا مطبوعة الطبري القديمة -: "عدولًا" قال الشيخ شاكر: لعله تحريف؛ لأن الأجود صيغة الإفراد. على الوصف بالمصدر، يستوي فيه المذكر والمؤنث والمثنى والجمع.